يريد البعض أن نصدّق أن تنظيم "داعش" يتحمّل المسؤولية عن تحوُّل مسلمين بأعداد كبيرة نحو الإلحاد. كانت هذه التهمة لتتمتّع بالصدقية لو لم نشهد على تحوّل في الخطاب والسلوك الإسلاميَّين بدأ قبل نحو قرن مع التيار الوهّابي و"الإخوان المسلمين". فقد ظهرت مجموعات كثيرة ونمت وتوسّعت تحت قناع اللامساواة الغربية، وإنشاء إسرائيل، وما أعقبه من ظلم في حق الفلسطينيين.

إنها أيديولوجيات معقّدة يديرها عقائديون متطوّرون يملكون أجندة واضحة يسعون من خلالها إلى السيطرة على العالم باستخدام الإسلام قاعدةً والشريعة الإسلامية سيفاً ومرشداً. يختبئون خلف الاعتقاد أن الدين والكتاب لن يتعرّضا للانتقاد، وذلك من أجل نشر رسالة الكراهية والانقسام فيما يعملون على تنفيذ مهمتهم.
غالبية المؤمنين المسلمين لا تتماهى مع هذه المجموعات، وتدّعي أنها لا تشاطرها الدين نفسه. واذا عبّروا عن استيائهم على مر السنين، فقد اقتصر الأمر على الهمس بصوت خافت عوض الإدانة الصريحة والواضحة المقرونة بخطوات حاسمة لردع هذه التنظيمات. حتى أن البعض انضم إلى السيرك الأصولي باستنساخ النسخة الأصلية المتشدّدة. وهكذا أنزلوا الله إلى مستوى غرورهم الوقح ووجودهم الدنيوي في مجموعة من اللغات والجغرافيات.
بفضلهم أصبحت لله الآن جيوش وأحزاب، وجنود وقوات. وباتت لله أيضاً رايات ولافتات تستحضر صور قتل الأبرياء، وقطع رؤوس الأطفال، واقتلاع العائلات من منازلها وأرضها.
تفرّج المسلمون على تحوّل الإسلام السياسي إسلاماً قتالياً دموياً من غير أن يحرّكوا ساكناً. وبدورنا تفرّجنا على المسلمين ينكفئون الواحد تلو الآخر. أولاً، نأوا بأنفسهم عن تلك المجموعات. ثم نأوا بأنفسهم عن الآيات المقدسة التي استخدمتها تلك التنظيمات لتبرير أفعالها التي لا تمت إلى الله بصلة. وبعد فترة من الزمن، نأى المسلمون بأنفسهم عن الأئمة الذين يبثون الكراهية علناً في المساجد. لم يتمكّنوا من التماهي مع الملالي والأسياد والشيوخ والأئمة والخلفاء المتعطّشين الى الظهور في وسائل الإعلام والذين حوّلهم الإنترنت شخصيات مشهورة بين ليلة وضحاها.
قبل سنوات، حذّر المسلمون الحكماء من أن الشباب المسلمين يتحوّلون نحو الإلحاد لأن السلطات الدينية تتسبّب بابتعادهم عن الدين. بالفعل، كيف يمكن شخصاً عاقلاً أن يصدّق أن الدول العظمى التي تؤمّن له التعليم والتكنولوجيات والترفيه هي "شيطان"؟
هل يقبل شخص عاقل بأن يموت لأن "رجل دين" ما يطلب منه أن يموت في سبيل الله فيما يعلم هو أن الله، الذي يعبده لا يقبل بذلك؟
ما فعله تنظيم "داعش" هو أنه فضح كل المجموعات الأصولية الإسلامية والمتاجرين بالله. نتيجةً لذلك، يخوض الإسلام معركة وجودية لتطهير نفسه من كل الدجّالين وأتباعهم السيئين، وإلا قد يخسر مزيداً من أبنائه الصالحين والأوفياء.

@octavianasr