الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

سوريون باقون تحت القصف

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
A+ A-

تحار الكاميرا أمام واقعية الموت، هل تصوّر ركاماً من بشر وحجر أم تتعامى عن المشهدية المدمَّرة؟ كان على المخرج السوري الليث حجو أن يرفع كاميرته في وجه الفاجعة هذه السنة أيضاً. بعد "سنعود بعد قليل" (كتابة رافي وهبي، رمضان 2013)، يشاء حجو الاقتراب مجدداً من الجمر. "الحقائب- ضبوا الشناتي" ("أل بي سي آي")، عملٌ آخر يجمعه بممدوح حمادة الذي يكتب ليلذع.


أمام أبناء الحروب خياران: الهجرة أو الاستعداد للموت. يتناول العمل تخبّط السوريين بين الخيارين مُصوِّراً أحلاهما مرّاً. العائلة السورية القاطنة في أحياء دمشق تحت مجهر حجو. تركيزه على إخراج أفرادها من حيّزهم الشخصي الى امتدادهم النفسي- الاجتماعي، لم يحل دون تشبيعهم بما يلزم من دوافع لبناء موقف أو إبداء الرأي. يحرص العمل على التعددية ضمن الأسرة. ثمة الموالي للنظام والمعارض، وثمة أيضاً من لا يؤيّد ولا يوالي ولا يعني "حياده" أنه كائن سلبي. لكلّ وظيفته، من الأبطال الى الجيران والخياط. الأب خليل (بسام كوسا) والأم فيحاء (ضحى الدبس) لا يفعلان إلا الدوران في دوّامة بائسة. كان على الجميع أن يحسم أمره حيال مصيره. يتدخّل الظرف ليحول دون قدرة أي شخصية على التفلّت من الحرب. ليس صوت المدافع وقذائف الهاون وحده ما يوحي أنّ الحرب مستمرّة. خيبة الشخصيات لا تترك مجالاً للشكّ.


العمل حلقات متصلة- منفصلة يجمعها خطّ درامي بمثابة قدر أكثر مما هو حبكة سردية تنطبق على أشخاص. يُتخَذ قرار الرحيل على مضض، لتبدأ رحلة معاكسة الظرف. كلّما ظنّت العائلة أن يوم رحيلها قد حان، صادفها ما يعيدها الى النقطة الصفر. العمل سلسلة حلقات من مأساة تلتفّ حول عنق المُشاهد لا تخنقه، بل تحضّه على الانتفاض. يخشى حجو- حمادة واقعاً يضع القناع، وشخصيات توارب. يُحمّلان الشخصية موقفاً لا طائل منه ما دام لا يتعدّى الجدران. يظهر المثقف على سوية واحدة مع الناشط والخائب والموالي والمعارض ومن لا يجيد سوى الأحلام. جميعهم دون الحرب وويلاتها، ودون القدرة على اجتراح معجزة.


نظنّها كوميديا، والحال أنّ حجو- حمادة منذ "ضيعة ضايعة" بجزءيه، و"الخربة"، توقّفا عن تمرير الرسائل من بين الأسنان. ذلك أنّ الشخصيات في "الحقائب" مدمَّرة بلطف، تتصرّف بهزالة لتباغت الوقت. تلفتنا أمل عرفة في دور المطلّقة فداء، يرعبها صوت الهاون فتتحايل على الرعب بصينية نحاس لا تنفكّ ترفعها فوق رأسها. لا يقلل حجو شأن شخصية، لا يُصيّرها بطلة بالمطلق. النصّ هو البطل والعِبرة من ورائه، فإن كان لا بدّ من تخفيف المعاناة، طعّم حجو بعض المواقف بالكوميديا مبقياً المسافة الحائلة دون شعور المُشاهد بأنّ المادة خفيفة غايتها الاضحاك.
الخلاصة أنّ الجميع في مأزق، والحرب لبعضهم لا تترك خيارات. حرص العمل على طرح الواقع من دون حاجة الى سخرية منه أو إغراق في الدمع. نجاحه في ذكائه، فلم يُنمّط الصراع بتصويره موالٍ ومعارِض لا يجيدان إلا العراك.



[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم