الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لبنان على مفترق الطرق

أمام مرفأ بيروت بعد شهر على الانفجار ("النهار").
أمام مرفأ بيروت بعد شهر على الانفجار ("النهار").
A+ A-
كتب الدكتور منصور المالك
 
زرتُ لبنان صيف عام ٢٠٠٤ بدون ترتيب مسبق. فوجئت بزحمة المطار، وفوجئت أكثر عندما لم أجد غرفة واحدة في أيٍّ من فنادق بيروت المرموقة. ذهبت مع سائق التاكسي من فندق إلى فندق حتى انتهى بي الأمر في فندق ربما ثلاث نجوم.
 
في المساء كان الوضع أصعب، ففي منطقة السوليدير المزدحمة كان من المستحيل أن أجد ورفاقي طاولة في أحد مطاعمها. كانت بيروت ممتلئة بالسياح من كل بقاع الأرض، وكان لبنان يتجه تدريجياً للعودة إلى موقعه منارةً للشرق ومركزًا للحضارة.
 
كل شيء كان في بيروت جميلًا حتى جاء اليوم المشؤوم. في ذلك اليوم حدث انفجار ضخم هزّ بيروت.
 
وفي وسط الانفجار كان رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. هذا الانفجار لم يقتل رفيق الحريري ومن معه بل قتل كل أحلام اللبنانيين وآمالهم بالعودة إلى لبنان الحضارة والتسامح والازدهار.
السنوات التي تلته زادت من معاناة اللبنانيين، فقد تلتها حرب مع إسرائيل ثم اجتياح بيروت من قبل أقوى حزب في لبنان وهو حزب الله التابع لإيران، ثم تصفية بالدم البارد لعدد من السياسيين والإعلاميين المناهضين للنظام السوري وحلفائه في لبنان. معاناة اللبنانيين لا تقف عند هذا الحد، فقد بدأ الاقتصاد اللبناني المنهوب ينهار تدريجيًا نتيجة ضعف الدولة في السيطرة على الأوضاع في الداخل، فعمّ الفساد والسرقات واختطاف موارد الدولة وتهريب المواد والأموال.
 
أضف الى ذلك مشاكل هجرة الكفاءات اللبنانية، ومشاكل انقطاع الكهرباء وانتشار النفايات، وعبء اللاجئين السوريين، وأخيرًا وليس آخرًا الضغط الاقتصادي نتيجة انتشار وباء الكورونا وانهيار العملة اللبنانية وارتفاع تكاليف المعيشة.
 
ومع صعوبة الأوضاع الاقتصادية بدأ التململ داخل الشعب اللبناني وخرج في عدد من التظاهرات التي تم تخريبها وحَرْفها عن أهدافها المشروعة. حاولت الدولة اللبنانية الاستعانة بالأشقاء العرب والدول الصديقة دون جدوى، فالعالم يدرك أن لبنان يعيش تحت وصاية الحزب التابع لإيران وهو ما يمنع عمليًا تقديم أي مساعدات أو قروض أو خلافه.
 
وكأن هذا كله لا يكفي، فقد تسبب انفجار في ميناء بيروت بسقوط آلاف الضحايا بين قتيل وجريح بالإضافة إلى مئات آلاف من سكان بيروت الذين أصبحوا بلا منزل. كل هذا يضع لبنان على مفترق طرق خطير: إما التحول إلى دولة تحظى بمكانة دولية موثوقة تحكم فيها مؤسسات الدولة وحدها، أو يبقى لبنان قاعدة إيرانية متقدمة لمواجهة خصومها أو ورقة تفاوض في اتفاق إيراني نووي جديد. اللبنانيون بحاجة إلى مشروع جديد يخرج لبنان من هذه الدوامة ويصعد به إلى مصاف الدول الناجحة المزدهرة التي تكفل للمواطن العيش الشريف.
 
ولعل هذا يتطلب رفع شعار "لبنان أولًا". وتحت هذا الشعار يتوجب على الشعب اللبناني أن ينسى قيادات الماضي ويهجرها، وأن يحارب الطائفية بكافة اشكالها. وعلى الشعب اللبناني أن يطالب بانتخابات يختار فيها اللبناني لا الحزبي. كما سيتطلب الأمر قرار الشعب اللبناني بمنع السلاح خارج إطار الدولة، وأن الدولة وحدها صاحبة الحق الحصري في الحفظ على الأمن والدفاع عن الوطن. بعد هذا كله سيعود لبنان منارة الشرق بكفاح أبنائه... وما عدا ذلك فسيتأكّل لبنان حتى ينتهي.
 

 

"تويتر": @MSAlmalik

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم