1 أيلول 1920: الحدث الأكبر والأكثر تأثيراً في تاريخ لبنان

"عنقُك كبُرجٍ من عاج. عيناك كالبرك في حشبون عند باب بثّ ربّيم. أنفك كبرج لبنان الناظر تجاه دمشق". سفر نشيد الأنشاد (7: 4).  ما هو سرّ هذا اللبنان الكبير الذي نحتفل بإضاءة شمعة مئويته اليوم؟ نحن الآن نجول في محطّة تاريخية عدنا فيها إلى 16 حزيران 1919 خلال رحلة تنقيبٍ عن هذا السرّ. مجلس الإدارة اللبنانيّ يصدر قراراً بتشكيل وفد برئاسة البطريرك الياس الحويك إلى مؤتمر الصلح في فرساي – باريس. أحزمة الانطلاق شُدّت. 25 تشرين الأوّل 1919: البطريرك الحويك يقدّم "مذكّرة الوفد اللبناني إلى مؤتمر السلام" التي تضمّنت طلب إعادة لبنان إلى حدوده الجغرافية والتاريخية المطابقة لخريطة لبنان التي رسمتها البعثة الفرنسية سنة 1860، ولم يؤخذ بها يومذاك بسبب معارضة العثمانيين الذين اقتطعوا السهول ومدن المرافئ التجارية عن متصرفية جبل لبنان. غدت مذكرة الوفد اللبناني إلى مؤتمر الصلح خطوة أساسية نحو ضمّ باقي الأقضية التي تشكّل لبنان اليوم إلى متصرفية جبل لبنان، المشكّلة من جزين، الشوف، عاليه - بعبدا، المتن، زحلة المدينة، كسروان، جبيل، البترون، بشري، الكورة، زغرتا - إهدن والهرمل. ما معنى حدود لبنان الجغرافية – التاريخية؟ تشير دراسات موثّقة في أرشيف بكركي إلى الحدود الجغرافية للبنان الكبير، انطلاقاً من معطى يفيد بأنّ سلسلة الجبال الغربية والشرقية كانت تشكّل سلسلة جبلية واحدة، تبدّلت معالمها بسبب زلزال بدّل العوامل الطبيعية وكوّن سهل البقاع بين السلسلتين. ويرتكز المعطى الجغرافي الثاني الذي تشير إليه الدراسات المحفوظة في أرشيف بكركي، على أنّ كلّ الأنهر التي تنبع من لبنان لا بدّ أن تمتلكها البلاد إلى حدّ مصبّها. ينبع نهر العاصي من لبنان ويصبّ في بحيرة حمص المذكورة في الخرائط القديمة، وكذلك نهر الحولة الذي ينبع من لبنان ويصبّ في بحيرة الحولة جنوباً. عندما عاد المطران عبدالله الخوري من مؤتمر الصلح في باريس، كانت حدود لبنان تضمّ بحيرة حمص وبحيرة الحولة. ويرى الباحثون أنّ عدم ضمّ هذه الاراضي إلى لبنان الكبير واعتماد الحدود اللبنانية النهائية المعروفة اليوم، قد يعود إلى عدم رغبة أهالي تلك المناطق في الانضمام إلى الدولة الحديثة. أما المقصود بإعادة لبنان إلى حدوده التاريخية فهي مسألة مرتبطة بترسيمة حدود فينيقيا القديمة الساحلية والداخلية في مرحلة أولى، وبترسيمة حدود الإمارة المعنية في عهد الأمير فخر الدين الكبير في مرحلة ثانية، وبترسيمة البعثة الفرنسية عام 1860 في مرحلة ثالثة. سرنا بين الصفحات. وصلنا الآن إلى مقربة أسابيع من إعلان دولة لبنان الكبير. الحماسة ظاهرة على وجوه الناس. فئات واسعة من المواطنين يطالبون بإعادة لبنان إلى حدوده الطبيعية. الوفود تتقاطر إلى الصرح البطريركي من مختلف الطوائف والمشارب. ما هذه الزحمة؟ إنّهم مستمّرون في دعم البطريرك الحويك بعدما منحوه تفويضات ليتحدث باسمهم في سبيل دولة لبنان الكبير. يبدو أن ثمة من يعارض هذا الطرح في عدد من المناطق. مشاعر الحزن والاضطراب مرسومة على صفحات تذكر نكبات حصلت في أكثر من محطة، ذهب ضحيتها سكّان طالبوا بالوحدة مع جبل لبنان.  تشير المعلومات التاريخية إلى أنّ المطالبة بالوحدة سببها الوعي التاريخي لما نعمت به متصرفية جبل لبنان من ازدهار وحرية واستقلال نوعيّ. من هنا انبثق المثل الشعبي القديم القائل: "نيال اللي عندو مرقد عنزة في جبل لبنان". حينذاك، كان أهالي جبل لبنان يحتاجون بدورهم إلى استعادة حدود لبنان الجغرافية من أجل أن ينعموا بالسهول والمرافئ التجارية. ساهم المغتربون أيضاً في ولادة لبنان الكبير. شخصيات لبنانية مؤثرة في بلاد المهجر كانت على تنسيق دائم مع بكركي. أعطى المهاجرون تفويضات للبطريرك الحويك ليتحدث باسمهم، وأثّروا في الرأي العام الخارجي الداعم لتكوين دولة لبنان الكبير. من أبرز الوجوه المغتربة، يتردّد اسم شكري غانم وخيرالله خيرالله في باريس، نعوم مكرزل في نيويورك، وعبدالله باشا في مصر. وعزّزت علاقة البطريرك الحويك بشخصيات فرنسية مهمّة تبلور صورة لبنان الكبير؛ ويذكر من بين أبرز هذه الشخصيات الجنرال هنري غورو والكومندن ألبير ترابو وسفير فرنسا في لندن بول كمبون. وصلنا الآن في صفحات التاريخ إلى فندق القادري في زحلة. نحن في 3 آب 1920، حيث يعلن الجنرال غورو إعادة أقضية حاصبيا – راشيا – بعلبك والمعلّقة إلى لبنان المستقلّ. أشرقت الشمس صباح 31 آب 1920. عُيّنت حدود لبنان الكبير بقرار رقمه 318 بناء على مرسوم رئيس الجمهورية الفرنسي الصادر في 8 تشرين الأول 1919. وكان صدر في التاريخ نفسه قرار رقمه 321 ألغيت بموجبه المتصرفية التاريخية ذات البروتوكول الدولي. الأربعاء 1 ايلول 1920: صدر القرار رقم 336 الذي ينصّ على تنظيم دولة لبنان الكبير. التصفيق...