الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

أين التطبيع من صندوق الـ"باندورا"؟

حمزة عليان
أين التطبيع من صندوق الـ"باندورا"؟
أين التطبيع من صندوق الـ"باندورا"؟
A+ A-

‎بالغَ البعض بإضافة مسحة من القداسة والطابع الديني على اتفاقية التطبيع الإماراتية مع إسرائيل، بوصفها بـ"الإبرهيمية" نسبة إلى النبي إبرهيم عليه السلام!

‎وذهب آخرون، كما فعل الباحث والكاتب الأستاذ سعد محيو، إلى التساؤل عن أي إبرهيم يتحدثون؟ عن النبي إبرهيم الذي بنى الكعبة وكان مسلماً، أم عن إبراهام الذي قامت سلالته العبرية ببناء هيكل سليمان في القدس وهوّدت فلسطين الكنعانية؟

‎بين هذا وذاك تم استحضار "صندوق باندورا" محذرين من أنه سيفتح غرائز التعصب الديني على مصراعيه، وهو "الصندوق" الذي سيعجّ بشياطين التعصب اللاهوتي.

‎ليس ذلك فقط، بل ربطت جريدة "السياسة" بين قضايا الفساد وغسل الأموال وتضخم الحسابات والأرصدة البنكية في الكويت و"الصندوق"... ما إن يفتح حتى تخرج منه كل شرور البشر.  

‎و"صندوق باندورا" أثار عندي الفضول بعدما ربطه البعض بـ"صندوق الطماطم"، في حين أعطاه آخرون أبعاداً لا تتسق والمفهوم الصحيح.  

‎ففي إحدى الترجمات من اللغة الفرنسية إلى العربية والمنشورة في "اللوموند دبلوماتيك"، ذهب الخيال بذاك المترجم للقول إن "باندورا" هي تحريف فرنسي لكلمة بندورة! وإن استخدام الكلمة المرادفة للبندورة هي "طماطم"!  

‎والحقيقة هي غير ذلك تماماً، أولاً: لأن الأصل كما في اليونانية ليس بصندوق بل هو "جرّة كبيرة" أو "قارورة" بينما استخدام كلمة "صندوق" كان في القرن السادس الميلادي عند ترجمة القصة إلى اللاتينية، ثانياً: إن خلاصة الأسطورة الإغريقية تقوم على أن "pandore" بالفرنسية هي أول امرأة في تاريخ البشرية عاقبت الرجال على غطرستهم.  

‎أصبحت "باندورا" بعدئذ زوجة EPIMETHE شقيق PROMETHE سارق "النار" من السماء، واعتُبرت باندورا المسؤولة عن جلب الشر إلى الأرض لأنها فتحت الإناء الذي حَبس فيه الإله zues مآسي الناس وبؤسهم، حيث لم يبقَ في "جرّة باندورا" بعد أن فتحته سوى... الأمل.  

‎وبمعنى أوضح، "باندورا" هي قطعة أثرية في الأساطير اليونانية، وكما تشرح ذلك الكاتبة علياء عصام الدين على شكل جرّة كبيرة، كانت نتاج خطة إنتقامية من "زيوس" زعيم الآلهة الذي أقدم على خلق "باندورا" للنيل من "بروميثيوس" بعدما سرق الأخير النار وقدّمها للبشر، في وقت لم تسمح فيه الآلهه للإنسان بامتلاك النار!  

‎ارتبط معنى "باندورا" بأكثر من تفسير، فرواية ماري كوبر وزوجها صُنفت في باب الروايات المثيرة للشهوة الجنسية، ومع مرور الزمن، بات الاستخدام الدارج يشي القيام بعمل متهور، يجلب بعده الكثير من المصاعب، لذلك فإن فتح الجرّة معناه إيذاناً بقدوم كارثة كبرى!  

‎وفي بُعدها السياسي، تعبير عن اللهاث خلف السلطة وحب السيطرة، وما تبقى في القاع هو "الأمل" الكفيل بحلّ كل المعضلات.  

‎بالعودة إلى أصل الموضوع، يرى عدد من المراقبين أن تحميل الاتفاق دلالات "إبرهيمية" ليس في مكانه تماماً، باعتبار أن غاية ما يسعون إليه تحقيق أهداف ومصالح سياسية واقتصادية وأمنية بالدرجة الأولى.  

‎وأثناء عملية البحث والاستقصاء عن حكاية "باندورا" كان للباحث الأستاذ يعقوب يوسف الإبراهيم مطالعة مختصرة وجدتُ فيها فائدة ومعرفة بنشرها تقول: حذّر Prometheus أخاه Epimetheus الذي كان كثير النسيان ألّا يقبل أي هدية من ZEUS والذي كان بدوره حريصاً على إيقاع الأذى بـ برومثيوس وإن كان يعرف أن إيميثيوس ضعيف ولا يُرجِع طلباً مثيراً ومغرياً من PANDORA ، وكما يخبرنا HESIOD أن ZEUS أعطاها إلى epinetheus مع جرة وليست "صندوق" مع تحذير بعدم فتح فوهتها، ولكنها طبعاً فتحتها فخرجت منها، وبسرعة، كل الأشياء الشريرة في الدنيا.  

‎حاولت PANDORA سدّ فوهة الجرة فخرج منها كل الشرّ ولم يبقَ فيها إلا الأمل الذي لم يستطع الفرار فبقي سجيناً... وهذه من أساطير الإغريق.  

‎وتلك هي الحكاية. 

- إعلامي وباحث لبناني في الكويت 

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم