الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

كيف تتقلّص خيارات إيران للخروج من عزلتها؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
كيف تتقلّص خيارات إيران للخروج من عزلتها؟
كيف تتقلّص خيارات إيران للخروج من عزلتها؟
A+ A-


عقوبات إضافيّة وتباينات داخليّة

في خطبة عيد الأضحى أمس، أعلن المرشد الإيرانيّ الأعلى علي خامنئي أنّ هنالك هدفين للعقوبات، واحد قصير المدى ويسعى إلى تأليب الشعب ضدّ النظام، والثاني يدفع البلاد نحو حافة الإفلاس.

اعترف خامنئي بأنّ العقوبات الأميركيّة تسبّبت بأضرار كبيرة لإيران، داعياً إلى تنويع الاقتصاد كي لا يكون معتمداً بشكل أساسيّ على النفط. لكنّ قلّة من القطاعات الإيرانيّة سلمت من العقوبات التي تكاد لا تعرف حدوداً مع الإدارة الأميركيّة الحاليّة.

فمنذ يومين، وسّعت واشنطن عقوباتها على قطاع التعدين فشملت 22 معدناً جديداً على صلة بالبرنامج الصاروخيّ البالستيّ. من بين هذه المعادن أنواع مختلفة من الألومينيوم وبودرة الألومينيوم ذات النقاء الذي يفوق 98% والصلب والنحاس.

استبعد خامنئي التفاوض مع الولايات المتّحدة قائلاً إنّ رئيسها دونالد ترامب يريد استغلال التفاوض لتحقيق نقاط في حملته الانتخابيّة. لكنّ ترامب ليس الوحيد الذي يحتاج إلى تفاوض جديد. يريد الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني موافقة خامنئي لدخول مفاوضات أخرى مع الأميركيّين يمكن أن يختم بنتيجتها مسيرته الرئاسيّة. لكنّ خامنئي لا يريد إعطاءه هذا الامتياز، مشيراً إلى ضرورة استعداد الشعب للتطلّع إلى حكومة "ثوريّة" جديدة.


تراجع نفوذها إقليميّاً

فيما حضّ الإيرانيّين على مواجهة "التنمّر الأميركيّ"، رأى المرشد أنّ اغتيال الولايات المتّحدة لقائد "قوّة القدس" قاسم سليماني ساهم في تعميق الوحدة بين الإيرانيّين والعراقيّين. غير أنّ هذه الوحدة ليست في أعلى درجاتها بين حكومتي البلدين، خصوصاً مع تسلّم مصطفى الكاظمي رئاسة وزراء العراق. فالأخير حاول تقييد نفوذ الميليشيات العراقيّة على الرغم من أنّ هذه المحاولة لم تنجح بشكل كامل. لكنّ الخطوط العريضة لسياسة الكاظمي بدت واضحة.

وأكّد خلال زيارته إيران الشهر الماضي ولقائه عدداً من المسؤولين من بينهم خامنئي أنّ بلاده ستعتمد سياسة تنبع من المصلحة العراقيّة، مؤكّداً انفتاحه على الدول الخليجيّة والغربيّة. لكنّه رفض في الوقت نفسه استخدام أرض العراق لمهاجمة إيران.

من ناحية ثانية، لا تمرّ علاقات إيران مع شيعة العراق بأفضل فتراتها. منذ القضاء على داعش، تأكّلت النظرة الإيجابيّة للعراقيّين الشيعة إزاء إيران. فبعدما انتشرت هذه النظرة بين 70% لدى شيعة العراق سنة 2016 انخفضت إلى ما يوازي 15% بحلول أواخر 2019. ونسبة العراقيّين الشيعة الذين ينظرون إلى إيران على أنّها حليف موثوق به انخفضت من 85% إلى 40% خلال الفترة نفسها.

أمّا في سوريا، فالوضع يزداد صعوبة مع دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ أواسط حزيران الماضي. وفي الوقت نفسه، تزداد الغارات الجوّيّة الإسرائيليّة على مواقع المقاتلين الإيرانيّين. وطلب وزير الخارجيّة الإيرانيّ محمّد جواد ظريف من نظيره الروسيّ سيرغي لافروف تدخّل موسكو لإيقاف الغارات الإسرائيليّة في سوريا. لكنّ لافروف استنكر الغارات من دون تقديم أيّ وعد.

في لبنان، يبدو الوضع أفضل بالنسبة إلى إيران مع قدرة "حزب الله" على الإمساك بمفاصل الحكم الأساسيّة وتحديد جزء كبير من السياسات الخارجيّة للبلاد. ومع ذلك، يصطدم نفوذ "حزب الله" بجدار أزمتين اقتصاديّة ونقديّة لا يستطيع تخطّيهما عبر التوجّهات والخطابات التقليديّة. فبعدما كان يرفض اللجوء إلى صندوق النقد الدوليّ، أعطى الضوء الأخضر للحكومة كي تتفاوض معه.

وفي حين كان يشدّد على التوجّه شرقاً والابتعاد عن الاعتماد على الأميركيّين والغربيّين، أوضح أنّ الخيار الأوّل لا يلغي بالضرورة الخيار الثاني. ولا يزال "حزب الله" عاجزاً عن جرّ الحكومة إلى شراء الطاقة الكهربائيّة من إيران أقلّه لغاية اليوم. لكنّه يواصل رفض الدعوات إلى "حياد" لبنان عن صراعات المنطقة مع ما يعنيه ذلك تحديداً من وقف تدخّله في الشؤون الخليجيّة.


الوضع ليس أفضل عالميّاً

إنّ حظر "حزب الله" في ألمانيا أوحى فتح صفحة أوروبّيّة جديدة في التعامل معه، حيث كان الأوروبّيّون يميّزون بين جناحين للحزب. لكنّ ألمانيا أنهت هذا التمييز. وفي السياسة الكبرى، يبدو الأوروبّيّون أكثر قرباً اليوم من الولايات المتّحدة. لم يوفّر المرشد الإيرانيّ الأوروبّيّين في الانتقادات وخلال عدد من المناسبات كانت آخرها خطبته الجمعة.

فقد اتّهمهم بالتقاعس عن حماية الاتّفاق النوويّ قائلاً إنّهم "وجّهوا ضربة لاقتصاد إيران بوعود جوفاء"، قاصداً بذلك، شبكة "إنستكس" للتبادل التجاريّ. من ناحية ثانية، يميل الأوروبّيّون أكثر إلى الموقف الأميركيّ في ما خصّ تمديد الحظر الدوليّ على تصدير السلاح إلى إيران والذي ينتهي في تشرين الأوّل. لكن بينما تريد الولايات المتّحدة تمديد الحظر إلى أجل غير مسمّى، يسعى الثلاثيّ الأوروبّيّ إلى تمديد الحظر حتى سنة 2023.

من جهته، هدّد الممثّل الأميركيّ الخاص للشؤون الإيرانيّة براين هوك الصين وروسيا بعزلهما على الصعيد الأمميّ في حال رفضا تمديد الحظر. وقال لوكالة "رويترز" إنّ الدولتين كانتا معزولتين في الوكالة الدوليّة للطاقة الذرّيّة وسيتمّ عزلهما في مجلس الأمن. وفي حزيران، دعا مجلس حكّام الوكالة إيران إلى السماح للمفتّشين بالدخول إلى موقعين يشتبه بنشاطات نوويّة داخلهما، حيث لم تستطع موسكو وبيجينغ وقف هذا البيان. لكن حتى في حال وصوله إلى مجلس الأمن، ثمّة تخوّف إيرانيّ من عدم ذهاب روسيا والصين إلى نقض القرار.

يقول العضو السابق في مجلس الشورى الإيرانيّ حشمت الله فلاحت بيشت إنّ تحويل هذه الدعوة إلى مجلس الأمن تمنع إيران من اتّخاذ إجراءات حادّة تمنع هاتين الدولتين من نقض قرارات جديدة ضدّ إيران في المجلس نفسه، بما أنّ هذا الأمر يوحي بأنّ النشاطات النوويّة الإيرانيّة قد تكون عسكريّة الطابع.

بانتظار تشرين الأوّل والقرار الأمميّ بخصوص الحظر، تُقفَل نوافذ الحلّ تدريجيّاً أمام إيران. لا تبدو الولايات المتّحدة في نيّة التراجع عن تمديد مدّة الحظر، ومن غير الواضح كيفيّة استجابة روسيا والصين لموقفها. لكن إذا قبلتا بالسياسة الأميركيّة، فهذا يعني أنّ عزلتها ستكون أقسى قبل تغيّر الإدارة الأميركيّة... هذا إن تغيّرت فعلاً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم