الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

جنون الدولار والأسعار... لبنانيون في تقشفٍ جبري

المصدر: "النهار"
مارسل محمد
مارسل محمد
جنون الدولار والأسعار... لبنانيون في تقشفٍ جبري
جنون الدولار والأسعار... لبنانيون في تقشفٍ جبري
A+ A-

"تشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها"، هكذا تمَّ تعريف "الدولة"، ولكن في "دولة لبنان" الأمر مختلف! فمنذ إنشائها اعتمدت على الاقتصاد الريعي، وغاب عنها الاقتصاد المنتج الذي يضمن الازدهار. أما المواطن وتحسين حياة الفرد لم يكن لهما وجود في ظل حكومات متتالية تعمل ـ ولو من دون قصد ـ على تنكيد حياة الفرد. يبدأ شهر رمضان المبارك، واللبناني غير واعٍ أو "نسي" حلول الشهر الفضيل. الأزمة زادها طبعاً انتشار فيروس #كورونا المستجد، إلا أنّ العلّة الكبيرة تبقى في شكل الاقتصاد والمسؤولين عن تطبيقه.

ملامسة الدولار عتبة الـ4000، كانت نجم الأسبوع بلا منازع. فهي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير مطلقة مواجهة سياسية مؤجلة بين الأطراف في الحكم والمعارضة، وعملية تجاذب تصدرتها حاكمية مصرف لبنان. أما معاناة المواطن فبلغت ذروة مع التراجع الكبير لقيمة الرواتب التي فقدت او لا يمكن الاستحصال عليها كاملة بالحد الأدنى. ورغم قول خبراء إن ارتفاع الدولار هو نتاج عملية العرض والطلب في السوق والاخفاق في السيطرة الامنية والقانونية على سوق الصرافين غير الشرعيين، فان مقاربة الرسائل السياسية التي تقف خلف هذا الارتفاع بقيت موجودة وطاغية وفق مقاربات مختلفة من السلطة والمعارضة. فاذا كان من في السلطة يرى في الارتفاع عملاً مقصوداً لتفشيل الحكومة وتسعير غضب الناس، فان من في المعارضة رأى في الأمر أهدافاً مبيتة منها تبرير ما يخطط للانقضاض على الاقتصاد الحرّ والتحكم المنفرد بالقرار المالي. والمقصود بالمعارضة هنا طبعاً نواة التحالف بين "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" ومن يشاطرهما الرأي من أوساط ليبرالية. أما شارع 17 تشرين فتلك قصة أخرى، اذ أن قراءته تضع الاخفاق في عهدة كل الطبقة السياسية.

العيد المفقود

لا مظاهر لرمضان الكريم... "الناس مخبوطة على راسها"، كلمات وصف بها مصوّر "النهار" نبيل اسماعيل ما رأت عيناه خلال جولته على السوبرماركت، حركة الشراء عادية والأسعار خيالية. تحركت عدسته بين أفراد خائفين يشترون المنتجات حسب حاجاتهم الضرورية فقط، أما السلال الممتلئة بالطعام تحضيراً لشهر رمضان الكريم فنادرة.

ارتفعت الأسعار كحد وسطي بنسبة 30 في المئة منذ بداية ارتفاع الدولار، ومع بدء رمضان نحو 10 في المئة، فكيف علّق اللبنانيون؟

دلال، تأخذ والدتها شهرياً إلى السوبرماركت لشراء حاجة العائلة للشهر بكامله، وقالت: "اشترينا المنتجات نفسها في شهرين، الشهر الأول وصلت الفاتورة إلى 300 ألف ل.ل، والشهر الثاني وصلت إلى 580 ألف ل.ل، الأسعار زادت الضعف مع بدء شهر رمضان المبارك، وهذا العام لم نشترِ البضائع كالأعوام السابقة، بل اشترينا حاجاتنا الأساسية خلال الشهر العادي".

وأضافت دلال خلال حديثها لـ "النهار": "كيلو الكفتة كان سابقاً 16 ألف ل.ل، واليوم وصل إلى 22 ألف ل.ل. كلغ الخيار وكلغ البندورة وصل إلى 4000 ل.ل، 5 كلغ السكر كان سابقاً بـ 6000 ل.ل ووصل إلى 13 ألف ل.ل، فكيف للمواطن أن يشعر بالعيد في ظل هذه الأوضاع؟".

رشا، تعيش بمفردها ولكن والدتها تُرسل لها الطعام أسبوعياً، إلا أنّها تبتاع بعض الحاجيات التي لاحظت ارتفاع أسعارها، وتقول لـ "النهار": "منذ فترة، قرر بعض الأصدقاء زيارتي، فذهبت إلى السوبرماركت لشراء العصير والشيبس والمكسّرات، فوصلت الفاتورة إلى 50 ألف ل.ل، ولكن في السابق كنتُ أبتاع هذه المنتجات وأكثر بنحو 20 ألف ل.ل". وأضافت: "Coffee mate كان بـ 6250 ل.ل، أصبح بـ 9900 ل.ل، نسكافيه Gold الصغير كان بـ 3250 ل.ل، أصبح بـ 6000 ل.ل، أما النسكافيه الكبير فكان 13 ألف ل.ل، وأصبح 18 ألف ل.ل".

تختلف الأسعار بين محل تجاري وآخر، منهم من ارتفعت الكلفة عليه بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، ومنهم من استغل هذه الأزمة لزيادة أرباحه، خصوصاً أنّ المستهلك اللبناني اعتاد ابتياع المنتجات المستوردة ويعتبر أنّها الأفضل مقارنة بصناعته الوطنية. وزير الاقتصاد راوول نعمه قال لـ "النهار" سابقاً: "كلما ارتفع الدولار، كلما سترتفع أسعار المنتجات". والمواطنون لا يجدون إلا وسائل التواصل الاجتماعي متنفساً لآلامهم.

وزارة الاقتصاد دورها الأول والأخير هو مراقبة الأسعار فقط لا غير، وصلاحايتها لا تتعدى تسطير المحاضر التي تُرسل لاحقاً إلى القضاء المختص لاتخاذ القرار المناسب إن كان بإغلاق المحل أو وضع غرامة مالية (لمختلف الأسباب إن كانت متعلقة بالأسعار أو بالصحة أو غيرها)، ووفقاً لمدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد طارق يونس، "في هذا الوضع الاستثنائي بسبب الحالة الاقتصادية والاجتماعية السيئة في لبنان، تقوم الوزارة بمراقبة الأسعار من أبواب عدة، الباب الأساسي عدم السماح للمؤسسات بتحقيق أرباح عير مبررة، "وذلك بالاستناد إلى المرسوم رقم 73 الصادر عام 1983 الذي يُعنى بجُرم المضاربة غير المشروعة، وتحقيق أرباح غير مشروعة من التجّار والمحترفين، وبرفع الأسعار بشكل غير منطقي وإثارة بلبلة في الأسواق"، وبالتالي موظفو الوزارة يراقبون بشكل أساسي موضوع الأسعار إضافة إلى السلامة الغذائية، مراقبة محطات الوقود، المقاييس والأوزان في الأفران، وتعرفة المولدات وغيرها من المواضيع".

وعن تفاوت الأسعار، أوضح يونس لـ"النهار" أنّ "الهامش الذي يعتمده المراقبون هو نسبة الربح، فالنسبة المقبولة هي ما بين 15 إلى 25 في المئة، أما الأرباح التي تتخطى هذه النسبة فيتم تنظيم محضر ضبط بالمحل التجاري وإرساله إلى القضاء المختص"، معتبراً أنّ "الغرامة المالية تُعد أكبر رادع للتجّار للتوقف عن المخالفات لذلك تُطالب حماية المستهلك منذ سنوات مجلس النواب ولجنة الإدارة والعدل تعديل بعض قوانين حماية المستهلك، بحيث تستطيع مديرية حماية المستهلك فرض غرامات مباشرة على بعض المخالفات".






أزمة الدولار: لا حلّ لها إلا...

السبب الرئيسي لارتفاع سعر صرف الدولار هو ارتفاع الطلب على العرض، وذلك عندما بدأ بالارتفاع منذ شهر تشرين الأول تقريباً، أما أسباب استمرار ارتفاعه فكثيرة، وهي الشح الأكبر للدولار في السوق المحلية وسط غياب إجراءات جدية لإيجاد طرق تأمينه، إضافة إلى أزمة اقتصادية عالمية تقلل من نسبة المساعدات.

تراجع الحكومة اللبنانية عن تطبيق HairCut على الودائع بشكل مباشر، لم يترك لها حلاًّ إلا "لبننة الودائع" كما تحدّث الخبير الاقتصادي باتريك مارديني لـ "النهار"، لافتاً إلى أن سعر صرف الدولار سيستمر بالارتفاع وقيمة الليرة اللبنانية ستنخفض أكثر فأكثر، معتبراً أنه إن وصل سعر الدولار إلى 3،750 ل.ل، تكون الدولة قد أجرت HairCut بنسبة 60 في المئة بطريقة غير مباشرة.

لامس سعر صرف الدولار 4000 ل.ل.، ووصل اليوم الخميس إلى ما بين 3600 و3700 ل.ل، بارتفاع نحو 200 ل.ل عن يوم أمس الأربعاء، ومن المتوقع أن يستكمل ارتفاعه. وتشير التوقعات كافة إلى استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار، وبالتالي ارتفاع أكبر في المنتجات الاستهلاكية في السوق المحلية، وخصوصاً التأثير سلبياً على المواد الأساسية المستوردة والمدعومة من مصرف لبنان كالقمح والمحروقات والأدوية والمعدات الطبية. وبحسب الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، فإنّ السبب الأساسي لارتفاع الدولار حالياً هو "ما ورد في خطة الحكومة"، وبرأيه الشخصي، "إن سعر صرف الدولار لا يعكس الطلب في الاقتصاد المحلي بل يعكس المخاوف تحديداً".


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم