ولد ونشأ وكبر وهو يظن نفسه فتاة، لأنه مبهور بأمه التي عززت سوء فهمه لهويته الجنسية إذ اعتادت أن تدعوه "عزيزتي" وتمييزه عن اخوته عندما كانت تدعوهم للعشاء قائلة: "الصبيان وغيّوم الى المائدة".

انه غيّوم الذي ظن أنه الابنة الوحيدة والمفضلة لدى امه. انه غيّوم غايين، كاتب ومخرج وبطل شريط Les Garçons et Guillaume, à table الفائز بخمس جوائز سيزار هذه السنة (افضل فيلم اخراج وممثل ومونتاج واقتباس). شريط استثنائي يشبه جلسة من العلاج النفسي الذي يشفي جروح الماضي بواسطة الضحكة، وخصوصاً لكونه مقتبساً من سيرة غايين الذاتية... المراهق الذي عاش ضمن عائلة بورجوازية، واخوة يسخرون منه دائماً لأن لديه اساليب مخنثة. والده منزعج منه ووحدها امه تشجعه وتحميه بكثير من الحب والقسوة وتعتبره مثلياً جنسياً تماماً مثل محيطه. عندما أرسله والداه لتمضية عطلة في اسبانيا في بداية الشريط، أحب غيّوم رقص الفلامنكو وتعلم خطوات الفتيات. عندما أدخلاه مدرسة داخلية في انكلترا، وقع في غرام زميله وعرف اول خيبة عاطفية. عندما كبر بدأت أمه تلح عليه لتقبّل مثليته. لكن هل هو مثلي حقاً؟ لقاؤه رجلاً في بار للمثليين يجعله يهرب مذعوراً، وعلاج الاسترخاء في احد منتجعات بافاريا لن يرفع معنوياته، وخضوعه للتحليل النفسي لن يمده بالراحة. وحده ذلك العشاء مع الصديقات يفتح قلبه ليكتشف حقيقته. في تلك الليلة تدعو صديقته الجميع الى العشاء قائلة الجملة السحرية: "الفتيات وغيّوم الى المائدة". ماذا؟ غيّوم والفتيات؟ اي إن غيوم ليس فتاة؟ في ختام السهرة يلتقي المرأة التي تجعله يكتشف انه رجل حقا. انها اماندين التي يتزوجها لاحقاً بعدما يكتشف انه رجل ومحب للجنس المغاير. اكتشافه هذه الحقيقة المذهلة جعلته يقدم سيرته الذاتية على خشبة المسرح عام 2008 في عرض من نوع "one man show" عرف نجاحاً ساحقاً في فرنسا، مما حمسه لتحويل المسرحية شريطاً سينمائياً. شريط وقعنا في حبه فوراً بسبب جرأته واسلوبه الذكي والمضحك والمؤثر والصادق في معالجة موضوعات قوية وصادمة. شريط نتابع من خلاله وجهة نظر غيّوم ووجهة نظر امه وعائلته ومحيطه من خلال فيض من تسونامي الطرافة يغزونا من كل حدب وصوب، ومن جهات كوميديا المواقف العجيبة وفكاهة الشخصيات النافرة وظرف الحوارات الفجة وهزلية الحركات(مثل مشاهد مقابلة الانتساب للجيش ولدى الطبيب النفسي وفي المنتجع الصحي في المانيا مع دايان كروغر في دور الممرضة). تسونامي ضحك في الظاهر، وجلسة علاجية في العمق تسمح لغيّوم بأن يتعايش مع جروح الماضي ويتخطاها بنجاح ليتحرر من كل قيوده. صحيح أن اسلوب الفيلم المشهدي ليس جديداً، لكن الابتكار كله يصب في خانة الكتابة والايقاع واداءات مذهلة وصادقة لشخصيته وشخصية امه على حد سواء. مشاهد الشريط تنساب بين العرض السينمائي الذي تتخلله محطات مسرحية، وبين الاجواء الرقيقة التي تجتاحها محطات جريئة ووقحة، تفجر الضحك حيناً، والتأثر الشديد احياناً اخرى.
أما غايين فهو حتماً الشريط من اوله الى آخره، هو المخرج والكاتب والممثل والابن والام والموضوع والضحكة والدمعة والتأثر والذكاء. لقد قدم بمنتهى الدقة والتركيز على التفاصيل، شخصيته وشخصية امه المذنبة من خلال اداء بارع يشبه خلطة من فصام الشخصية وعقدة اوديب، تطفو على سطحه الطرافة بينما يختبئ تحته كثير من الانفعالات والعذابات والحنان.  (بعد سحبه من الصالات ينصح بمشاهدته على أقراص DVD).