
ليس تاريخ 14 آذار عاديّاً في لبنان. هذا النهار بالذات له محطات وذكريات أثّرت كثيراً في مسار البلد. وليس من تاريخ مماثل يحتمل القراءات والسرد والتحاليل والتأويلات. ولعلّه التاريخ الجامع رغم الانقسامات، لأن كل فريق سياسي يجد فيه مناسبة يحييها ويحتفل بها وربّما يُحرّض على الآخرين من خلالها او يستجمع قواه ويحتضن ناسه. وهنا أبرز المحطّات:
¶ 14 آذار 1978: تاريخ الاجتياح الإسرائيلي الأول للبنان، في ما عرف آنذاك بـ"عملية الليطاني". وأدّى الاجتياح الذي كان هدفه المُعلن إبعاد التنظيمات الفلسطينيّة إلى شمال نهر الليطاني، إلى صدور القرارين 425 و426 عن مجلس الأمن الدولي، واللذين نصّا على انسحاب إسرائيل ونشر قوات الطوارئ الدوليّة على الحدود بين البلدين.
وقد شكّل هذا التاريخ موعداً سنويّاً لاحتفالات ونشاطات تقودها "حركة أمل" إلى العام 2000 موعد الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي اللبنانية.
¶ 14 آذار 1989: أعلن رئيس الحكومة العسكريّة الانتقاليّة آنذاك العماد ميشال عون "حرب التحرير" لإجبار الجيش السوري على الانسحاب وتطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 520. لكن "حرب التحرير" ارتدّت على صاحبها وعلى المناطق التي كانت تُسمّى "محرّرة" من الوصاية السوريّة، إذ قوبلت الحرب بتدمير للمناطق "الشرقيّة" بعد تعرّضها لحصار وقصف مضاد من الجيش السوري والقوى والأحزاب الموالية له.
ومن غير الواضح لماذا استمرّ العونيّون في إحياء تلك الذكرى التي قامت بهدف نبيل ربّما، لكنّها كانت خطوة غير مدروسة بالتأكيد لأنّها لم تكن تحظى بأي دعم وتأييد دوليين.
¶ 14 آذار 2005: شهد لبنان التظاهرة الأكبر في تاريخه ردّاً على تظاهرة قادها "حزب الله" والأحزاب المُوالية للنظام السوري دعماً له في 8 آذار. وجاءت الثانية ردّة فعل تجاوز فيها عدد المشاركين المليون. وتبعاً للواقعتين، التصق اسم "قوى 14 آذار" بالأحزاب المناهضة لسوريا، وعرفت الأحزاب المُوالية لها بـ"قوى 8 آذار". واستمرّت هذه التسمية، ولو جزئيّاً، إلى الأمس القريب.
وشكّل ذلك النهار الانطلاقة الفعليّة لما عُرف بـ"انتفاضة الاستقلال" أو "ثورة الأرز" للمطالبة بانسحاب الجيش السوري (الذي تحقّق بعد شهر، في نيسان 2005) واستعادة السيادة والاستقلال ورفض الوصاية والاحتلال.
¶ 14 آذار 2011: بدء الحرب السورية التي تدخل اليوم عامها العاشر، بعدما اندلعت احتجاجات سلميّة لم يعرف العالم بها إلّا في اليوم التالي، ولم يكن أحد ليتصوّر أن النظام السوري صار ضعيفاً إلى هذا الحد، إذ تفلّتت الأمور منه في سرعة قياسيّة لتتحوّل سوريا ساحة صراعات دوليّة فاهتزّ النظام الذي كان يوصف بـ"الحديدي" لتصادر قراره روسيا وإيران وتركيا ومجموعات منها "حزب الله" وقوى معارضة.
وهذه الحرب التي تُنهي عامها التاسع تركت تداعيات كبيرة على لبنان أبرزها لجوء نحو مليوني سوري إليه، 90 في المئة منهم من الأكثر فقراً، ما حمّل الاقتصاد اللبناني أعباء كبيرة لا قُدرة له عليها، إضافة إلى تحوّل لبنان المصرف للسوريّين، لا لتوطين الودائع، وإنّما لسحب العملات الصعبة ما فاقم أزمته الماليّة.