السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

تلك الطفلة التي تزوّجت بعمر الـ15

نشوى آل غالب - السعودية
تلك الطفلة التي تزوّجت بعمر الـ15
تلك الطفلة التي تزوّجت بعمر الـ15
A+ A-

كل حكايةٍ عمرٌ، وحكايتي بدأت حين كنتُ في عمر الـ١٥ عاماً. في هذه السنّ، وفيما بنات هذه المرحلة يكنّ مشغولات بعيش تحولات المراهقة والاستعداد لدخول القسم الثانوي قبل الوصول إلى أحلام الشباب وتحديات الجامعة... كانت نشوى الطفلة تزفّ إلى العريس.

نعم، تلك الطفلة أصبحت فجأة زوجة. وعوضاً من أن يراعي الرجل الذي ارتبطتُ به صغر سني، بدأ يضربني منذ الليلة الأولى التي دخلتُ فيها منزله. معاناة طويلة مع العنف استمرت عشر سنوات بالتمام، وعنوان المرحلة المستمر: الضرب الشديد. هذه ليست كل الحكاية، فهو كان مرتبطاً بامرأة أخرى، وزوجته الثانية كانت أردنية الجنسية، ما جعلنا نسكن طيلة هذه المدة في الأردن. ولكم أنتم أن تتخيلوا حياة طفلة متزوجة من رجل لديه امرأة أخرى، تعيش وحيدة بلا أهلها في بلد غريب، وتذوق يومياً مرّاً بسبب العنف الممارس ضدها. ولكن، وعلى الرغم من المأساة، كانت ثمة نقطة وحيدة مضيئة في هذه السنوات العشر: لقد رزقني الله بصبي وابنتين.

مرت السنوات ثقيلة حتى أصبحت تلك الطفلة شابة عمرها ٢٥ عاماً. عودي لم يعدّ طريّاً، والبراءة التي سُلبت مني تحولت إلى قوة. هكذا استطعت الهرب منه إلى السفارة. ولله الحمد. لكنني تركت أولادي لأن أهلي رفضوا أن أحضرهم معي إلى المملكة، وهنا بدأ الفصل الثاني من العذاب: أمٌّ محرومة من أطفالها! تركتْهم وتحملتْ عذاب بُعدهم ١٥ سنة صعبه جداً... الجميع كان يقف ضدي كيلا أطالب بهم... أكبر بناتي كانت تبلغ من العمر ٧ سنوات فيما أصغر إخوتها لم يتجاوز الـ ٣ سنوات. يصعب عدّ الليالي التي نمتها أو حاولت النوم فيها على وسادة مبللة بدموع القهر والحرمان. كنت أبكي وحيدة، فيما أحد لا يهتمّ أو يسمع. لم يهتمَّ أحد بما أعاني أو كيف تمر الأيام على أمّ من دون رؤية أولادها أو سماع أصواتهم. أمذ بلا أولادها هي إنسان ميت، جثة تتنفس فقط! كيف الحال وأنا أعرف أن والدهم شديد الغضب؟!

وسط كل تلك الأحزان، شاء القدر أن يعوّض عليّ ولو بجزء قليل. تزوجت مجدداً. كان رجلاً متزوجاً. وافقت على الزواج منه لأعوض لأمومتي من خلال أولاده. حاولت أن أعطيهم كل الحب المكبوت في داخلي تجاه أولادي. ثم فجأة، وسبحان مقدر الأقدار، وبعد كل هذه السنوات، استطاعت ابنتي أن تهرب من منزل أبيها بعدما عادوا إلى السعودية. استعدتُها. أحضرتُها إلى منزلي. تلك اللحظات جمعت كل حب العالم وكل غضب العالم. رأيتُ على جسدها آثار ضرب مبرح. جنّ جنوني. وبدأ الفصل الثالث من قصتي: استعادة أمومتي وأولادي، فصل بدأتْ فيه الحرب ضدي، لأن الجميع رفض أن يعود أولادي إلى حضني.

كانت لديهم وجهة نظر تقول إن زوجي الثاني لن يتقبّل أولادي، وأن المشاكل ستدخل بيننا، ما سيؤدي إلى انهيار حياتي الأسريّة.

في الفترة نفسها، أجدني أتلقى اتصالاً من مدرّسة ابنتي الثانية، تبلغني فيه عن ضرب شديد تتعرض له في أجزاء كبيرة من جسدها، ما جعل الهيئة التعليمية تتواصل مع جمعيات تُعنى بحقوق الإنسان، لحماية الطفلة.

هكذا تفاعلت معي جمعيات حقوق الإنسان وبلّغتْ الشرطة حيث كانت البداية لطريقي، وكنت أقاتل في المحاكم، من جهة لأستطيع أن أحتضن أولادي، وبين كثر ممن كانوا حولي وكانوا يضغطون عليّ لأنهي المعركة وأُرجع أولادي لأبيهم.

للأسف حدثت المشاكل مع زوجي الثاني وخيّرني بين أولادي وبينه. قررت أن أحارب الجميع من أجل أن أكمل باقي حياتي مع أولادي، فانفصلت عن زوجي وأهلي، وسكنت في بيت خاص بي، ولأن عاداتنا لا تسمح للمرأة أن تسكن بمفردها، حاربوني، ولكنني لم أستسلم، والحمدلله بحثت عن عمل وتوظفت، والآن أنا فخورة جداً بكل ما مررت به لأكون بقرب أولادي. فصل جديد أكثر قوة وفرحاً أعيشه اليوم مع أولادي، فصل جديد لنشوى المكافحة التي سُرِقت منها طفولتها لكنها استعادت أمومتها!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم