السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

لقاءٌ مميّزٌ مع سجناء "روميه" والإرهابيين ضمناً...!

المصدر: "النهار"
وسام عيد- محامٍ
لقاءٌ مميّزٌ مع سجناء "روميه" والإرهابيين ضمناً...!
لقاءٌ مميّزٌ مع سجناء "روميه" والإرهابيين ضمناً...!
A+ A-

القضاة والمحامون والمساعدون القضائيون والمدّعون والمدّعى عليهم والشهود والخبراء كما والسجناء يشكلون جميعهم العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

ولأن السجناء هم من أسباب تبيان العدالة وإحقاقها، كانت الخطوة الرائدة والمشكورة التي دعا إليها سعادة نقيب المحامين في بيروت الدكتور ملحم خلف بالتنسيق الكامل مع أعضاء مجلس النقابة من أجل زيارة السجناء والاطّلاع على ظروف معيشتهم وملفاتهم القضائية بتنسيق مع رئيس فرع السجون العقيد غسان عثمان ومتابعة من مستشار معالي وزير الداخلية العميد فارس فارس.

وقد أثبت سبعمايةٍ وستة وعشرون محامياً من هم قدوةٌ جدارتهم في التعاطي مع السجناء السبعة آلاف الموزعين في كل الأراضي اللبنانية على أربعةٍ وعشرين سجناً، ولا سيّما رقيّهم في التعاون مع رجال قوى الأمن الداخلي وعلى رأسهم العقيد ماجد الأيوبي.

سأكتفي بالحديث عن تجربتي المتواضعة في زيارة سجن روميه المركزي بكافة مبانيه وأقسامِه برفقة النقيب ملحم خلف ومفوّض قصر العدل الأستاذ ناضر كسبار وعضو مجلس نقابة المحامين الأستاذ فادي حداد وعدد من الزملاء المحامين، حيث شعرتُ بالظلمِ والقهرِ والمعاناةِ والقرَفِ، وشاهدتُ ظروفاً مقزّزةً، وسمعتُ أخباراً مبكيةً، ولمستُ المياهَ الملوّثةَ، وتنشقتُ الروائحَ الكريهةَ، بحيث إنني باختصار عشتُ الذلّ والظروف القاسية التي يعاني منها نزلاء السجون.

لستُ في صددِ التجريحِ بجهةٍ رسميةٍ محدّدةٍ، فالدولة أصلاً في غيبوبةٍ، حيث لا مسؤوليةَ مباشرةً على الجهة المولجة بإدارة السجون!! لذا تحيّة إكبار من القلب على الجهود الجبّارة التي يقوم بها رجال قوى الأمن الداخلي قيادةً وظباطاً وأفراداً، فهم يؤدُّون فنّ الممكن في ظلمة غياب الدولة وعجز السياسيين وإخفاق الحكومات المتعاقبة في إيجاد حلٍّ يمنح السجين كرامتَه، لأن دور السجن في الأساس هو من أجل إصلاح السجين لا في تحقيره وانتهاك حرمتِه الإنسانيةِ.

إن الظروفَ الراهنةَ التي يعيشها من هم السبب الأساس في ظهور العدالة، تجعلُ منهم أكثرَ إجراماً وإنتقاماً،وأكثرَ كُفْراً وحقداً، وأكثرَ غضباً وكراهيةً.

إن سجن روميه المركزي مجهّزٌ منذ إنشائه لإستقبال ألف وخمسين سجيناً فيما يستوعب في الواقع الراهن أربعة آلاف سجينٍ !!!

وثمة مبانٍ هي في الأساس ليست مقسّمة إلى زنزانات، لكن العدد الهائل للموقوفين أجبر إدارة السجن على تحويل باحة إحدى طبقات مبنى الأحداث التي لا تتعدى مساحتها الأربعماية متر مربّع إلى سجن، بحيث بات مكتظّاً بأكثر من ثمانماية سجينٍ (جناح اللولب) حيث جرى توزيعهم ضمن زنزانات وحمامات مشتركة، جدرانها من البرادي، وسقفها مكشوفٌ، لتصبح خصوصية كل سجين مندمجة مع الآخر، دون الغوص بالخصوصيات الحميمية في بعض الأحيان، التي يمارسها من ينام وشريكُه السجين على ذاتِ الفرشة المعفّنة والتي لا يتعدى عرضها الثمانين سنتم والتي يتداور على النوم الهنيء عليها أربعة سجناء، بحيث يفوز فوزاً عظيماً السجين الذي يحتكر مع شريك واحد فرشة واحدة، عدا عن أن أكثرهم يغفون وهم واقفين.

أمّا الجناح المخصّص للأحداث فحدّث ولا حرج...رأيت بأمّ العين زنزانة تحوي ثلاثة عشر سجيناً حدثاً أصابهم مرضُ الجربِ، دون شك بسبب تلوث المياه، بحيث تم عزلهم في زنزانة واحدة وتتمّ معالجتهم بوسائل طبيّة بدائية من خلال طاقم طبي لا يتعدى عدده الشخصين في كلّ مبنى، يقوم مشكوراً بالإطلاع يوميّاً على أربعة آلاف سجين!

مؤسف!

المفاجأة الكبيرة كانت في المبنى "ب" المعروف بمبنى الإرهاب!

وهو المبنى الذي استهللتُ مهمتي فيه! في البداية لم أُخفِ عليكم بأنني تردّدت وخصوصاً بعدما علمت من المسؤول عن هذا المبنى الاستثنائي بنزلائه المُقدَّم نزيه صلاح أن كافة الزنزانات مفتوحة ضمن الجناح الواحد على بعضها البعض، وأنه مهيأٌ لاستقبال ثلاثماية سجين بينما الآن مكتظٌ بسبعماية وخمسين إرهابيٍّا بعضهم محكوم بالسجن المؤبد!

يا إلهي...! "شو هالخبرية هاي"...! حيث ردّدت بيني وبين نفسي "هيدا المحكوم مؤبد ما عندو شي يخسرو يعني رسمالها يمسكني من خوانيقي وبودّع هالحياة".

يا ربِّي ماذا سيكون موقفي أمام سعادة النقيب وأعضاء مجلس النقابة وزملائي فيما لو تخلّفت عن أداء المهمّة الموكلة إليّ؟

إتكلت على الله وعلى المُقدَّم نزيه صلاح، فما إن دخلت مجموعة مصغّرة جناح الإرهابيين لتكون زيارتها بمثابة تجربة لباقي الزملاء، ليستقبلنا الشاويش المحكوم بالسجن المؤبد قائلاً لنا "أهلا وسهلاً بالأساتذة حضرتكم هون بضيافتنا"!!.

إبتسمت له على مضضٍ فيما أنا أقول بقرارة نفسي "هيئتو صاحبنا مش ناوي عالشر"، ليعانقني مصرّاً على الترحاب بي مجدداً، فيما عقلي وذهني يشوحان نحو إمكانية إقتنائه سكيناً أو أي آلةً حادةً مخبأة قد يطعنني بها ليُنهي حياة محامٍ خدم العدالة واحداً وعشرين عاماً.

بقيت للحظات متردّداً، واقفاً على الباب بين داخل الجناح وخارجه! وما إن دخلت وأعضاء المجموعة المصغّرة خطوة نحو الداخل حتى سمعت دوي "طبشة" الباب الحديد حين إقفاله بإحكام من حارس السجن!!! لأدرك بأنني أصبحتُ سجيناً وزملائي داخل جناح الإرهابيين.

لكن على صعيد آخر وفِي اللحظةِ الصعبةِ نفسِها، كنت أقول لنفسي إن إدارة السجن تعي تماماً أنه لو أن ثمة ذرةَ خطرٍ على أي محامٍ زميلٍ سواء بمبنى الإرهاب أو بجناح الخصوصية الأمنية أو بالمبنى الأزرق الذي يستقبل المرضى العقليين أو بأي مركز توقيف آخر، لما وافقت معالي وزيرة الداخلية رَيّا الحسن بالتسيق مع سعادة النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات وسعادة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عثمان عثمان على دخولنا السجون.

ذلك أن إدارة السجون في قوى الأمن الداخلي برعت في أداء المهمّة الموكلة إليها بحيث قام سبعمايةٍ وستة وعشرون محامياً بالإطلاع عن كثب على أوضاع السجناء من دون حصول أي إشكال أمني! فكلّ التقدير والاحترام لقوى الأمن الداخلي.

وبالعودة إلى تفاصيل وجودي بين الإرهابيين، وبعدما شعرتُ والأساتذة فادي حداد زاهر عازوري وجورج فيعاني بالإرتياح، تمّ السماح لحوالي سبعين زميلة وزميلاً بالدخول على دفعات إلى داخل أجنحة المبنى"ب"، حيث كان اللقاء معهم أبعد بكثير ممّا كنت أتوقّع، بحيث لمست أقصى درجات التعاطي المحترم معي ومع زملائي ولا سيما زميلاتي حيث بتنا نمرح ونسرح في الجناح من دون أي خوف أو حذر، فالشاويش وبعض المحكومين مؤبداً يرافقونني وزميلاتي وزملائي لتأمين حمايتنا أثناء أداء مهمتنا... لأتفاجأ في اليوم التالي وبعدما انتهينا من المهمّة الجبّارة التي قمنا بها بمعيّة سعادة النقيب وأعضاء مجلس النقابة، أن الشاويش ذاتَه من قام بمرافقتي طيلة مهمتي موجّهة إليه أخطر التهم الإرهابية وكان مرافق أخطر المتهمين بأعمال الإرهاب!

الله ستر... لكن أقولها وبصراحة: لولا دماثة خُلُق المُقدَّم نزيه صلاح وتعاطيه الراقي والحازم في آنٍ، الذي يعامل المتهمين بالإرهاب بأسلوبٍ أكثر من أخوي، لما كان الإرهابيون يتمتعون بهذا السلوك المميّز... نعم المميّز لأن العبرة في المعاملة ليس إلاّ...!

وأنا على يقين من أنه لو كانت تتمّ معاملة السجناء بقساوة بصرف النظر عن المعاناة التي يعيشونها، لماّ كنّا لمسنا هذا السلوك التي يتحلّى به السجناء.

أخيراً وليس آخراً، يجدر بكلّ قاضٍ جزائي قبل أن يتخذ أي قرار بتوقيف أي مُدان أن يتريّث، وأن يعي خطورة البيئة التي سيعيشها الموقوف لأنه ربّما يكون مظلوماً وبريئاً من التهم المُساقة ضده!

أخيراً، إن الخطوة الرائدة إلى بادر إليها سعادة نقيب المحامين بالتنسيق التام مع أعضاء مجلس النقابة، يجب أن يحذو حذوها السادة القضاة.

ختاماً، حان وقت الالتفاتة إلى السجناء وأوضاعهم في السجون، الأمر الذي دفع بنقيب المحامين بالسير بهذه المبادرة المشرّفة، والتي ستلاقي نجاحاً بجهود كل المحامين القدوة المشكورين، والذين يراهنون على نجاح الخطّة الوطنيّة التي وعد بها سعادته، والتي تهدف إلى تحسين أوضاع السجناء وظروف حياتهم اليومية في السجن.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم