قانون جديد للأحزاب في الجزائر... هل يضع حداً للزعامات المعمرة والتمويل الخارجي؟

تسلمت الطبقة السياسية في الجزائر مُسوّدة مشروع قانون الأحزاب الجديد الذي طرحته الحكومة، لإبداء مواقفها منه واقتراح تعديلاتها ومطالبها. وأثار الإطار التشريعي الجديد جدلاً واعتراضات من الأحزاب، لا سيما بخصوص المادتين 87 و37 منه.
وقد يفضي القانون إلى بناء مشهد سياسي جديد، إذ يفرض تجديداً قيادياً في الأحزاب بحيث لا يسمح للقيادات بأكثر من فترتين على رأس هرم الحزب، وهو ما سيضعُ حداً للرغبة في البقاء في الزعامة التي أدّت إلى بروز "النزعة الانقلابية" في الأحزاب، على غرار "حزب العُمال اليساري" الذي تقوده لويزة حنون منذ ثلاثة عُقود و"جبهة العدالة والتنمية" التي يقودها عبد الله جاب الله منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن، وأحزاب أخرى عديدة لها وزن سياسي كـ"جبهة التحرير الوطني".
عزل سياسي للمعمرين
ويفرض المشروع على الأحزاب "اعتماد الديموقراطية" في انتخاب قياداتها، إذ تنص المادة 37 من مشروع القانون الجديد على أنه "يجب أن يتشكل الحزب السياسي من أجهزة ولجان وطنية ومحلية يتم انتخابها وتجديدها، على أسس ديموقراطية قائمة على قواعد الاختيار الحر، حيث يتكون الحزب السياسي من جهاز مداولة وجهاز تنفيذي يسهران على قيادته على المستوى الوطني. وينتخب الحزب هذين الجهازين لفترة مدتها خمس سنوات كأقصى حد، ويمكن تجديدها، بصفة متتالية، مرة واحدة". كما يتضمّن المشروع إجراءات جديدة لإنشاء الأحزاب، من بينها اشتراط تمثيل 50 في المئة من ولايات البلاد في المؤتمرات التأسيسية.
وقد تحفظت قيادات حزبية على هذا البند باعتبار أن الحزب السياسي ليس مُؤسسة إدارية أو رسمية، كما أن تقييد البقاء على رأس التشكيل السياسي بمدّة مُعيّنة يتعارض مع حُرية التعددية السياسية التي يُقرّها الدستور الجزائري.
ويتضمّن مشروع القانون بنداً آخر يصبّ في السياق نفسه، إذ تنص المادة 87 على أنه "يمكن حل أي حزب سياسي لم يقدم مرشحين في موعدين انتخابيين متتاليين على الأقل، بناءً على طلب من الوزير المكلف الداخلية أمام الجهات القضائية". ووفق تحليلات سياسية مبدئية تهدف هذه المادة إلى حظر الأحزاب التي تفتقر إلى الفاعلية الميدانية، ويُفهم منها أيضاً الحد من المُقاطعة السياسية للانتخابات، ووفقاً لما هو معمول به حالياً يمكنُ حلّ الحزب إن لم يُشارك في أربعة انتخابات مُتتالية.
واللافت أيضاً أن مشروع القانون يمنعُ الحزب السياسي من استعمال العلامات والشارات الخاصة بالدولة في وثائقه ومحرراته، كما يمنع استعمال اللغات الأجنبية في كل نشاطاته داخل التراب الوطني.
لا للتمويل الأجنبي
وأطّر القانون الجديد العلاقات الخارجية للحزب السياسي في البلاد، إذ تنص إحدى موادّه على أنه "يمكن للحزب السياسي ربط علاقات تعاون مع أحزاب سياسية أجنبية، شرط ألا تتعارض أسسها ومادتها وتوجهاتها مع أحكام الدستور والقوانين المحلية"، لكن في المقابل يقيّد المشروع هذه العلاقات بشرط مهم وهو "أن تخضع إقامة هذه العلاقات إلى الموافقة المسبقة لوزير الداخلية بعد أخذ رأي وزير الخارجية، في غضون ثلاثين يوماً من تاريخ إخطاره"، ويُمنع على الحزب السياسي منعاً باتاً أن يستغلّ هذه العلاقات للقيام بأعمال في الخارج هدفها المساس بالدولة ورموزها ومؤسساتها ومصالحها الاقتصادية والديبلوماسية.
أيضاً، وضع الإطار الجديد تدابير بخصوص استغلال مقار الأحزاب السياسية، إذ يُمنع على الحزب السياسي استعمال مقرّه لأغراض غير تلك التي صرّح بها وأنشئ على أساسها، ويُمنع على الحزب السياسي إيواء أيّ تنظيم أو أشخاص ليست لهم علاقة بالحزب السياسي لتنظيم اجتماعات داخل مقرّه.
وجاء المشروع بإجراءات جديدة وصارمة لتأسيس الحزب السياسي في البلاد، إذ يمكن لوزير الداخلية في أجل يبلغ 60 يوماً من تاريخ إيداع طلب اعتماد الحزب السياسي، أن يطلب إفادته بوثائق إضافية أو استخلاف أو سحب أي عضو من قائمة الأعضاء المؤسسين، وفي حالة التأكد من عدم مطابقة ملف طلب الاعتماد للدستور والقانون، يمكن لوزير الداخلية رفض اعتماد الحزب، على أن يسمح للأعضاء المؤسسين بالطعن أمام القضاء.
ويضبط القانون الجديد مسألة تمويل الأحزاب السياسية، إذ ستكون ملزمة بالإبلاغ عن تسلمها أيّ هبات أو تمويلات محلية، فيما يُمنع، تحت طائلة عقوبات بالسجن بين خمس وعشر سنوات لمسؤول الحزب، تلقي أيّ تمويل من مصدر أجنبي بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
ولا خلاف على أن القانون الجديد ستكون له تداعيات كثيرة، ويقول أستاذ العُلوم السياسية والعلاقات الدُولية الدكتور عمار سيغة لـ"النهار" إن "المُعطى الأهم في هذا القانون هو القضاء على العديد من الظواهر السلبية التي برزت في السنوات الأخيرة، ومنها ظاهرة التجوال السياسي (التنقل من حزب سياسي إلى آخر) إذ ينص على الشطب من عضوية البرلمان بغرفتيه كل منتخب يغيّر الانتماء الحزبي، فضلاً عن شطبه نهائياً من سجلات الحزب، كذلك سيقضي المشروع على ظاهرة التصحيحات التي برزت بسبب مبدأ الاستحواذ على السلطة وهذا من أجل تكريس دمقرطة الأحزاب".
ويستعرض عضو اللجنة البرلمانية المكلفة إثراء مشروع القانون على مستوى البرلمان الجزائري زكرياء بلخير لـ"النهار" سلبيات القانون الجديد وإيجابياته قائلاً إن "هناك نية لأخلقة الحياة السياسية والحزبية من خلال ضبط بعض الانفلاتات وعلى رأسها قضية التجوال السياسي"، لكن من زاوية أخرى يشير بلخير إلى إلى" تغول في تحكم السلطة التنفيذية ببعض القرارات المتعلقة بالقرارات والنظام الداخلي للأحزاب، لا سيما في ما يتعلق بحلها وتجميدها وتوسيع تمثيلها وتشبيبها".