توتر جديد بين فرنسا والجزائر... خطوة نحو القطيعة؟

تصاعد التوتر السياسي بين الجزائر وفرنسا بعد إعلان السُلطات الفرنسية توقيف عدد من المُؤثرين الجزائريين المُقيمين في فرنسا بتهمة "الإرهاب والحض على العنف والكراهية". وهو ما يقول بعضهم إنه جاء رداً على قضية الروائي بوعلام صنصال الذي أوقف في الجزائر في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وتطرّق إليه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في خطابه في البرلمان في نهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي ووصفه بـ"اللص".
وأوقفت السُلطات الفرنسية ثلاثة مُؤثرين في مواقع التواصل هم يوسف زاو ونعمان بوعلام وعماد أوبي الذي يعرف لدى الرأي العام بـ"عماد تانتان"، ويُدافع هؤلاء عن خطاب السلطة وينتقدون رموز المعارضة.
ولم تشهد العلاقات بين البلدين هذا القدر من التوتر، فبعد فترة وجيزة من توقيف صنصال وشن حملة قوية ضد الكاتب كمال داود، تعمل فرنسا على قص أجنحة المدافعين عن السلطة الجزائرية على أراضيها، ويرى المحلل السياسي أحسن خلاص أن "فرنسا استغلت سلسلة التوقيفات لتُعطيها بعداً سياسياً في ظل التصعيد القائم بينها وبين الجزائر".
صب الزيت على النار
وما زاد الطين بلة، تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال المُؤتمر السنوي للسفراء، وقال فيها إن "الجزائر تُسيء إلى نفسها بعدم إطلاق سراح الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال"، مضيفاً: "الجزائر التي نحبّها كثيراً، والتي نتشارك معها الكثير من التاريخ، تتورّط في قصة تهينها، وتمنع رجلاً مصاباً بمرض خطير من الحصول على العلاج، ونحن الذين نحب الشعب الجزائري وتاريخه، نحث حكومته على إطلاق سراح صنصال".
واللافت في الأزمة السياسية التي بلغت ذروتها، هو أن أكثر المواقف الرافضة لتصريحات ماكرون صدرت عن قوى المعارضة الجزائرية التي أبدت رفضها القاطع أي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد، حتى إنها دعت إلى "القطيعة الديبلوماسية" لأن العلاقات بلغت درجة قُصوى من التوتر تتجاوز كل محاولات التسوية، وألحت "جبهة القوى الاشتراكية" على "مراجعة العلاقات مع فرنسا والاستغناء عنها إذا استدعت ذلك ضرورات الموقف السياسي"، وقالت إنه "ما دامت السلطات الفرنسية تصر على تبني موقف نيوكولونيالي، فلن تعمل سوى على تعميق عزلتها الأخلاقية والسياسية في أفريقيا، وعلى الساحة الدولية عموماً، أما الجزائر، فيمكنها بسهولة الاستغناء عن تطبيع علاقاتها مع القوة الاستعمارية السابقة إن كان ذلك يعني البقاء وفية لمبادئها المتمثلة في الشرف والسيادة".
ومنذ اشتداد الأزمة بين البلدين، تظهر تقارير يومية في الإعلام المحلي والفرنسي وبحوث صادرة عن مراكز الدراسات، بشأن السيناريوات المتوقعة للمرحلة المُقبلة.
السيناريوات المحتملة
السيناريو الأكثر وضوحاً حتى الآن، يقول خلاص لـ"النهار"، هو استمرار التوتر، مُوضحاً أن "العلاقات الجزائرية الفرنسية تعرف أزمة حادة على خلاف الأزمات السابقة، وهناك سيناريوات مرتقبة على ضوء التغييرات السياسية في فرنسا وفي العالم، ومن المستبعد حالياً قطع العلاقات الديبلوماسية، لكن الجزائر لن تُساوم على سيادتها وقد يستمر التوتر بالنظر إلى استمرار التجاذبات السياسية في الساحة الداخلية الفرنسية".
ويُؤيد أستاذ التعليم العالي في المركز الجامعي الدكتور بريك حبيب الله بتندوف هذا الطرح قائلاً لـ "النهار" إن "كل هذه الممارسات ستزيد من حجم الهوة السياسية وتقوّض العلاقات بين الجهتين الأمر الذي سيخلق فعلاً أزمة سياسية ستؤثر لا محالة على مسار العلاقات الديبلوماسية ومصالح المهاجرين في فرنسا".
ولم يتضح بعد إن كانت الخارجية الجزائرية استدعت السفير الفرنسي لإبلاغه احتجاجاً رسمياً، غير أنها خطوة مُنتظرة وسبق أن سحبت الجزائر سفيرها من باريس وقررت خفض تمثيلها الديبلوماسي في تموز (يوليو) 2024 بعد تأييد باريس خطة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء الغربية، وفي شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لم يُفوّت الرئيس الجزائري فُرصة لقائه الدوري الأول منذ انتخابه لولاية رئاسية جديدة مع ممثلي الصحافة المحلية ليُعلن أن زيارته لباريس استُبعدت في الوقت الراهن باستعماله العبارة التاريخية المعروفة "لن أذهب إلى كانوسا"، إضافة إلى حديثه عن بعض الأطراف الفرنسية "الحاقدة على الجزائر، والتي باتت تُؤثر على قرارات الإليزيه".
وتفاقم الأزمات على خط الجزائر باريس يرجع إلى أسباب عدة، بحسب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدُولية البروفيسور نور الصباح عكنوش، منها "أزمة الحوكمة المرتبطة بالحقبة الماكرونية كإيديولوجية أخلّت بالعقد الاجتماعي الذي يربط الحاكم بالمحكوم منذ الثورة الفرنسية، ومن مظاهر ذلك ردود فعل السلطة السياسية والقضائية والإعلامية على المواقف السيادية للدولة الجزائرية في موضوع صنصال الذي أضرّ موضوعياً واستراتيجياً بمصالح فرنسا في الجزائر بشكل جذري لأنه جزء من مشروع استعماري جديد يستهدف الجزائر".