الدبيبة يُطلق حملة عسكرية ضد عصابات الزاوية… هل هي تصفية حسابات سياسية؟

أطلقت حكومة العاصمة الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة حملة عسكرية على مدينة الزاوية الساحلية (غرب ليبيا)، قالت إن هدفها مواجهة عصابات التهريب والإتجار بالمخدرات والبشر، لكن في خلفية الصورة أبعاد سياسية وتصفية حسابات، وفق مراقبين. ويبدو أن ثالث أكبر مدن غرب ليبيا، المطلة على ساحل المتوسط، والتي تحتوي على أكبر مصفاة لتكرير النفط وميناء لتصديره، ستتحول مسرحاً لمعركة عسكرية بين ممثلين عن الخصوم السياسيين. فوفقاً لمسار الحملة العسكرية التي أُعلن عنها قبل تنفيذها بأربعة أيام، تستهدف بالأساس مناطق تمركز "كتيبة 55" التي يقودها معمر الضوي، والميليشيات المعروفة باسم "الكابوات"، ومجموعات مسلحة ثالثة موالية لعضو مجلس النواب علي بوزريبة، وكل هؤلاء على ارتباط وتواصل مع المتحكمين في مشهد الحكم بشرق ليبيا، وخصوصاً وزير داخلية الحكومة الموازية عصام بوزريبة، وفق ما أكد ناشطون ليبيون لـ"النهار".
وتتشكل الحملة العسكرية التي يقودها معاون رئيس الأركان صلاح النمروش، ابن الزاوية، من كتائب "الإسناد الأمني" التي كان يقودها محمد بحرون الملقب بـ"الفار"، واللواء "444 قتال" والذي يقوده مدير الاستخبارات العسكرية محمود حمزة، وثالثة تتبع لعبد السلام الزوبي، بالإضافة إلى "القوة المشتركة مصراتة" التي يقودها عمر بوغدادة، وفق الناشط الليبي حسام القماطي، الذي لفت إلى أن بعض القيادات المشاركة في تلك الحملة "لها ارتباط بعصابات التهريب والإتجار بالمخدرات".
وأوضح قماطي لـ"النهار" أن العملية العسكرية الجارية "تنقسم إلى مسارين رئيسيين: الأول يستهدف تجار المخدرات ومهربي البشر وأوكار الجريمة والمطلوبين أمنياً، أما المسار الآخر وهو الأهم، فيُركّز على استهداف منطقتي بوصرة وورشفانة، لضرب معاقل تمركز الكتائب المسلحة الموالية للضاوي وبوزريبة"، مشدداً على أنه "إذا لم يتم خلال الحملة مداهمة كل أوكار التهريب وأكبر مستودعات تخزين المخدرات والإتجار بها من دون استثناءات، وتفكيك تجمعات العمالة الوافدة ومداهمة أوكار الهجرة غير الشرعية، ومن دون أن تنتهي الحملة بالقبض على كل مهربي المخدرات والوقود والمطلوبين لدى النائب العام على ذمة ارتكاب جرائم قتل وتصفية خارج إطار القانون، ستُصبح بلا أي أثر وتؤكد أنها مجرد استعراض للقوة".
ويتفق رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أحمد حمزة مع طرح كون العملية العسكرية ذات أبعاد سياسية. وتساءل: "عندما تُعلن الحكومة عن عملية أمنية لمداهمة أوكار الجريمة قبلها بأربعة أيام فهل نتوقع تحقيق نتائج إيجابية من ورائها بعد غياب عنصر المباغتة؟ بكل تأكيد لن تجد المتورطين في جرائم تهريب البشر والمخدرات والقتل خارج إطار القانون، ولا الممنوعات في حوزتهم"، مؤكداً أن "عدداًكبير من قادة الوحدات الأمنية والعسكرية المشاركين في هذه العملية هم متورطون في جرائم". وأضاف لـ"النهار": "الأهداف من الحملة سياسية بحتة تحت غطاء محاربة الجريمة، وتصفية حسابات سياسية مع قوى عسكرية وسياسية في مدينة الزاوية معارضة للحكومة. هي حرب ضد الخصوم السياسيين وليست ضد الجريمة".
أما الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية العقيد السابق عادل عبد الكافي فتبنى الرواية الرسمية، معتبراً أن تسييس الحملة الأمنية "محاولة لتشويهها وإجهاضها"، ومؤكدا أنها ليست موجهه ضد أشخاص موالين لسلطة الشرق الليبي.
ولفت في هذا الإطار إلى تعليمات رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة لوزير داخليته عماد الطرابلسي بعدم تحريك أي قوات تتبع وزارته، نظراً إلى حساسية الوضع القبلي، وحتى لا تُربط الحملة الأمنية بأبعاد قبلية، كون الطرابلسي ينتمي إلى مدينة الزنتان وثمة حساسية بين قبائل المدينتين.
وأوضح عبد الكافي لـ"النهار" أن الهدف من العملية "القضاء على القدر الممكن من تشكيلات عصابات الجريمة التي تنشط على الطريق الساحلي الغربي وصولاً إلى رأس جدير الحدودية مع تونس. وهي جاءت بعد تداعيات سلبية من بعض التشكيلات التي تتشكل من المهربين وتجار المخدرات، وتنشط أيضاً في الهجرة غير الشرعية، مستنده إلى ارتبطات بشبكات الجريمة المنظمة"، مضيفاً: "رغم أن أعداد عناصرها محدود إلا أن امتلاكها للسلاح يشكل خطورة على أمن المدينة، فلطالما وقعت مواجهات في ما بينها نتيجة لتقاطع المصالح، ما صدر صورة مشوهة وسلبية عن الزاوية وسكانها".
وقبل نحو عامين أطلق الدبيبة حملة عسكرية على الزاوية استمرّت أسابيع، قال أيضاً إنها لمواجهة عصابات الهجرة والتهريب، لكن بعد توقفها عادت المدينة التي تبعد عن العاصمة الليبية نحو خمسين كلم فقط وتمثل أكبر تجمع سكاني قربها، بؤرة ساخنة للمواجهات بين العصابات والميليشيات.
لكن عبد الكافي ربط نجاح العملية الجديدة باستمراريتها وأن يتم تثبيت وجود للقوات المسلحة والعناصر الأمنية مع استمرار الملاحقات حتى تضرب هذه المجموعات في مقتل، وتشل حركتها وتقضي على كل الرؤوس الكبيرة والصغيرة وكذلك قطع طرق الإمداد وتجفيف منابع تلك المجموعات، فالعمليات السابقة لم تستمر وبالتالي حصلت انتكاسات.
وكان النمروش سعى إلى طمأنة أعيان ونشطاء في المنطقة الغربية خلال اجتماع عقده معهم السبت، نافىاً وجود أي أهداف سياسية وراء هذه العملية العسكرية. وشدد خلال الاجتماع على استمرار العملية العسكرية لمكافحة أوكار الفساد والجريمة في كل مناطق الساحل الغربي، لافتاً إلى أنها جاءت بعد فشل كل المحاولات السلمية والاجتماعية والعرفية السابقة، وفق بيان رسمي.