اعتراف إسرائيل بأرض الصومال… هل يضع مصر أمام مخاطر استراتيجية؟
تتوالى ردود الفعل الدولية على إعلان إسرائيل اعترافها بـ"أرض الصومال" دولةً مستقلةً، وتشير جميع التعليقات الدولية، حتى اللحظة، إلى الرفض القاطع أو التحفظ.
وتعد القاهرة من أكثر العواصم تخوفاً من الخطوة، التي يرى محللون أنها ستؤجج الصراع في منطقة القرن الأفريقي، وستؤثر على الأمن القومي العربي والمصري بصورة مباشرة، وستمثل تهديداً حقيقياً لأمن البحر الأحمر وقناة السويس، التي يعبر من خلالها 12 في المئة من تجارة العالم، متضمنة 30 في المئة من حركة الحاويات الدولية.
يقول الباحث الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور خالد سعيد لـ"النهار": "إسرائيل على الأرجح ستقدم دعماً سياسياً، وستحث الولايات المتحدة وأوروبا على الاعتراف بالإقليم، كما ستمده بالأسلحة الحديثة، مما قد يترتب عليه اشتعال صراع مع جمهورية الصومال الفيديرالية، فيهدد أمن المنطقة ويؤثر على الأمن القومي العربي والمصري، وكذلك سيعيق الحركة في الممر الملاحي الدولي المهم".
وكثفت مصر تعاونها مع دول القرن الأفريقي بشكل واضح في الآونة الأخيرة، فقد وقعت اتفاقيات مع الصومال وإريتريا وجيبوتي في مجالات عدة، من بينها العسكري والأمني، بهدف تعزيز قدرات تلك الدول، وذلك إثر تحركات إثيوبية للاستيلاء على ميناء بربرة البحري الواقع في "أرض الصومال"، مقابل الاعتراف بالإقليم دولةً مستقلة.
ومنذ محاولة انفصال الإقليم، الذي تمتد سواحله لنحو 850 كيلومتراً على خليج عدن، الانفصال عن الصومال عام 1991، لم تعترف باستقلاله أي دولة، لذا فالاعتراف الإسرائيلي يعد سابقة "خطيرة" بحسب محللين وسياسيين تحدثوا لـ "النهار".

تحوّل جيوسياسي
يقول خبير الشؤون الأفريقية رامي زهدي لـ"النهار": "بالقراءة الاستراتيجية، فإن الاعتراف يمثل تحولاً جيوسياسياً مهماً في قلب القرن الأفريقي، بعد أن أصبحت إسرائيل أول دولة تعترف بالإقليم؛ وهو اعتراف غير شرعي يمثل استمراراً لانتهاك إسرائيل للقانون الدولي وعداء لدول المنطقة: فلسطين ولبنان والعراق وسوريا، والآن الصومال".
ويضيف زهدي: "على مستوى أمن القرن الأفريقي، فهذه تعد هزة للنظام الإقليمي، لأنها تتجاهل الحكومة الفيديرالية الصومالية، وتبني واقعاً جديداً يهدد وحدة وسيادة الدولة الصومالية، وهو ما يمكن أن يفتح باباً لنزاعات سياسية داخلية، ستزيد من هشاشة الاستقرار في الصومال والقرن الأفريقي بشكل أوسع. كذلك تفتح الباب أمام التدخلات الأجنبية المتزايدة، والتي من شأنها مضاعفة المنافسات الدولية والإقليمية في المنطقة، خصوصاً بين القوى الكبرى المتصارعة على النفوذ، مما يعقد بيئة الأمن الإقليمي، ويحولها من توازن مستهدف إلى سباق تأثيرات متضاربة معقدة ومتشابكة".
أما بالنسبة إلى تأثير الاعتراف الإسرائيلي على مصر، فيقول زهدي: "الأمن القومي المصري والعربي بصفة عامة يمتد إلى القرن الأفريقي، باعتباره العمود الفقري الأمني للبحر الأحمر؛ وأي تغيير في موازنات القوى في تلك المنطقة سينعكس مباشرة على مصر عبر البحر الأحمر وقناة السويس".
ويضيف: "أي اضطرابات في البحر الأحمر أو باب المندب ستنعكس سريعاً على قناة السويس، عبر رفع تكلفة التأمين، أو تحول المسارات، أو تغير في تدفقات التجارة، مما يشكل ضغطاً على الاقتصاد المصري القائم على هذه الموارد. وتالياً فالعلاقة بين الاستقرار في القرن الأفريقي والملاحة الدولية غير قابلة للفصل، وأي تغيير في بنية القوى هناك يحمل تأثيراً مباشراً على أمن المنطقة والملاحة البحرية".
اختراق خطير
يقول سعيد: "كان الاعتراف الإسرائيلي متوقعاً، لكن توقيته جاء مغايراً، إذ أتى قبل لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما قد يؤثر في مقبل الأيام على قرار واشنطن بالاعتراف بالإقليم، وهذه سياسة صهيونية تهدف لتفتيت الدول العربية، بحيث تفقد أي قوة وتأثير في محيطها".
وكان ترامب أشار عقب الإعلان الإسرائيلي إلى أنه لن يعترف في الوقت الراهن بـ"أرض الصومال"، لكنه ترك الباب موارباً لاعتراف قد يحدث مستقبلاً.
ويضيف الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية: "خلال العامين الماضيين، ذكرت وسائل إعلام ومراكز أبحاث عبرية أرض الصومال كأحد الأماكن التي يمكن تهجير سكان قطاع غزة إليها، وقدرت أعداد المهجرين إلى الإقليم بنحو 400 ألف فلسطيني".
ويشير سعيد إلى "إمكانية إقامة قواعد عسكرية إسرائيلية أو أميركية في الإقليم، ما يعني مزيداً من الاختراق الإسرائيلي للقرن الأفريقي، وزيادة قدرة إسرائيل على توجيه ضربات عسكرية للحوثيين في اليمن".
نبض