غياب محمد الحداد... هل يقضي على أمل توحيد جيش ليبيا؟

شمال إفريقيا 24-12-2025 | 10:42

غياب محمد الحداد... هل يقضي على أمل توحيد جيش ليبيا؟

مضى الحداد، الذي ينحدر من مدينة مصراتة ذات الثقل في صنع قرار غرب ليبيا، خلال السنوات الأخيرة عكس التيار، متمسكاً بحلم "توحيد المؤسسة العسكرية".
غياب محمد الحداد... هل يقضي على أمل توحيد جيش ليبيا؟
رئيس الأركان الليبي اللواء محمد الحداد خلال اجتماعه مع وزير الدفاع التركي في أنقرة. (أ ف ب)
Smaller Bigger

غادر رئيس أركان قوات الغرب الليبي الفريق محمد الحداد المشهد الأمني في بلاده، بعد سقوط طائرة كانت تُقله من تركيا عائداً إلى العاصمة طرابلس، تاركاً وراءه حزمة من التساؤلات حيال مستقبل المعادلة الأمنية التي كان يلعب فيها الرجل دور حجر الزاوية، وسط مخاوف من اشتعال الصراع على خلافته بين القوى المتنافسة على السلطة والنفوذ.

 

وتحطمت طائرة خاصة من طراز "فالكون 50"، مساء الثلاثاء، كانت تقل الحداد ومستشاره محمد العصاوي دياب، ورئيس أركان القوات البرية الفريق الفيتوري غريبيل، وهو أيضاً عضو في اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، ومدير جهاز التصنيع العسكري العميد محمود القطيوي، والمصور في مكتب إعلام رئاسة الأركان محمد عمر محجوب، فوق منطقة هايمانا (جنوب العاصمة التركية)، بعد دقائق قليلة من مغادرتها مطار أنقرة.

 

وكان الحداد قد زار الاثنين تركيا على رأس وفد عسكري، والتقى صباح الثلاثاء وزير الدفاع يشار غولر، وذلك بعد ساعات قليلة من تمرير البرلمان التركي قراراً بتمديد مدة الوجود العسكري التركي في ليبيا حتى كانون الثاني/ يناير 2028.
وبرز اسم الحداد كمقاتل بعد حوادث عام 2011 في ليبيا، إذ تدرج في المناصب العسكرية العليا، بداية من قيادته لما يُسمى "لواء الحلبوص"، الذي شُكل سنة 2011، وعُرف لاحقاً باسم الكتيبة "301" مشاة، والمتمركزة جنوب العاصمة طرابلس. كما شغل مهمات عدة، منها قيادة المنطقة الوسطى، وكانت له أدوار عسكرية في المواجهات التي دارت في ليبيا مع تنظيم "داعش" الإرهابي بين عامي 2016 و2018، قبل أن يتولى رئاسة الأركان أواخر عام 2020.

 

وبينما كان الحداد يمثّل مركز ثقل في المعادلة الأمنية بغرب ليبيا، وضماناً بين قواه الأمنية المتصارعة، كان أيضاً يحظى بثقة الأطراف الدولية النافذة، ولا سيما منها الولايات المتحدة. ومضى الرجل، الذي ينحدر من مدينة مصراتة ذات الثقل في صنع قرار غرب ليبيا، خلال السنوات الأخيرة عكس التيار، متمسكاً بحلم "توحيد المؤسسة العسكرية"، الذي لطالما نادى به بصوت مرتفع، مع ضرورة التواصل والتنسيق مع "الجيش الوطني" في شرق ليبيا وقائده خليفة حفتر، العدو اللدود لقوى نافذة في غرب ليبيا. فجاء رحيله ليوحّد ليبيا على نعيه.

 

وكان حفتر من أوائل من قدموا التعازي في وفاة الحداد، معرباً عن "عميق الحزن في فقدان أحد الرجالات الذين أدوا واجبهم العسكري بكل تفانٍ ومسؤولية، وتحملوا الأمانة في مراحل دقيقة من تاريخ الوطن، وأعلوا المواقف المنحازة للقيم الوطنية على أي مصلحة أخرى".

 

كذلك، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن حزنها العميق إزاء حادث تحطم الطائرة "المأسوي"، مقدرة "الخدمات المخلصة" التي قدمها الحداد، وكونه "كان مدافعاً قوياً عن توحيد المؤسسات العسكرية والمدنية الليبية، وعن السلام والاستقرار". كما نعت البعثة الفريق غريبيل، الذي "لعب دوراً محورياً في توقيع اتفاق وقف النار عام 2020".

 

جنود أتراك في موقع حطام طائرة رئيس الأركان الليبي اللواء محمد الحداد. (أ ف ب)
جنود أتراك في موقع حطام طائرة رئيس الأركان الليبي اللواء محمد الحداد. (أ ف ب)

 

ويصف الباحث الليبي في الشؤون السياسية والأمنية إبراهيم بلقاسم مقتل الحداد ورفاقه بأنه "فاجعة". ويؤكد لـ"النهار" أن ليبيا "خسرت قائداً وطنياً في توقيت حساس، إذ لعب أدواراً في إعادة الثقة بالمؤسسة العسكرية الليبية، وكان يمثل جسراً للتواصل مع قوات شرق ليبيا، كما كانت له مواقف في وقف التوترات الأمنية التي كانت تنشب في غرب ليبيا، وكان معارضاً بشدة لاستمرار وجود القوات الأجنبية على الأراضي الليبية".

 

وإذ يرى بلقاسم أن توقيت الحادث "غريب"، إذ جاء بعد أيام قليلة من اجتماع رؤساء المجلس الرئاسي محمد المنفي، والحكومة عبد الحميد الدبيبة، ورئاسة الأركان، لمناقشة ترتيبات أمنية جديدة يجري العمل عليها في العاصمة طرابلس، يشير إلى أن من ضمن تلك الترتيبات "ترقية الحداد ليشغل منصب قائد الجيش في الغرب الليبي أمام القيادة العامة للجيش الوطني في الشرق، وهذه الخطوات تأتي في إطار العمل على التنسيق والتعاون بين القوتين، ومن ضمنها المناورات المشتركة التي ستقودها الولايات المتحدة في ربيع العام المقبل، تمهيداً لعملية توحيد المؤسسة العسكرية"، مؤكداً أن رحيل الحداد "سيعطل تلك الترتيبات وقد يخلق فراغاً".

 

ويتوقع بلقاسم أن يتولى رئاسة الأركان موقتاً صلاح الدين النمروش، الذي يتولى منصب نائب رئيس الأركان، بعدما شغل سابقاً منصب وزير الدفاع، إلى حين اجتماع المجلس الرئاسي وإصدار قرار بتعيين خليفة للحداد.

 

أما المحلل السياسي الليبي إسلام الحاجي، فيشدد على "أهمية أن تشارك ليبيا بفريق تقني ومهني في التحقيقات الجارية لمعرفة أسباب وقوع الحادث، وعدم الاكتفاء بتلقي المعلومات من السلطات التركية، لأن الضحايا من الشخصيات العسكرية المرموقة والكوادر القديمة التي تخرجت في الكليات العسكرية الليبية ووصلت إلى مناصب عليا في الجيش"، مرجحاً أن تكون أسباب سقوط الطائرة "عطلاً فنياً، وفقاً للمعلومات المتوافرة حتى الآن".

 

ويلفت إلى أن ثمة تداعيات على غياب الحداد، الذي وصفه بأنه "قائد توازن"، إذ كان صمام أمان يتدخل لكبح أي تصعيد يحدث بين التشكيلات المسلحة، وكان يمثل مظلة شرعية عسكرية بالنسبة للمنطقة الغربية، ورحيله يخلق احتمالات للعديد من المناكفات بين القادة العسكريين الميدانيين في إطار الصراع على خلافته.

 

ويضيف أن وفاته ستؤدي أيضاً إلى "تقويض محاولات توحيد المؤسسة العسكرية، وربما تباطؤ التنسيق العسكري المشترك أو تجميده، فقد كان يحظى بقبول الأطراف في الشرق والغرب. فالمؤسسة العسكرية في الشرق لا تنظر إلى الحداد كخصم، وكانت هناك قنوات تواصل استطاع بناءها بشكل شخصي. كما كانت واشنطن تعول على إمكان الاعتماد عليه كعسكري رسمي منضبط"، مرجحاً "حدوث تدخلات داخلية وخارجية في ملف خلافة الحداد، ليبقى السؤال مفتوحاً حيال إمكان العثور على شخصية عسكرية تجمع بين القبول المحلي والدولي والخبرة السياسية لتولي المنصب".

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 12/22/2025 6:32:00 PM
بيّنت الداخلية السورية أن هذه العملية تعكس مستوى التعاون الإقليمي المتين والجهود المتواصلة لمكافحة الشبكات الإجرامية المنظمة.
العالم العربي 12/23/2025 10:17:00 PM
أحد أبرز القادة العسكريين الذين قادوا مساعي توحيد المؤسسة العسكرية الليبية وعززوا علاقاتها الإقليمية والدولية.
المشرق-العربي 12/22/2025 4:35:00 PM
انعكس الانقسام حيال حصر السلاح بيد الدولة العراقية في مواقف قادة فصائل بارزين، بينهم قيس الخزعلي (أمين عام عصائب أهل الحق) وشبل الزيدي (أمين عام كتائب الإمام علي)، اللذان أبديا موقفاً مبدئياً مؤيداً للطرح، في مقابل رفض صريح من "كتائب حزب الله" وحركة "النجباء".
المشرق-العربي 12/22/2025 1:39:00 PM
ضبط صواريخ "سام-7" في مداهمة أمنية بدير الزور