تعاون عسكري مع باكستان يُعزّز حضور حفتر في المعادلة الليبية
عزّز قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر خلال العام المنصرم حضوره الإقليمي والدولي، متجاوزاً سنوات من العزلة الدولية، ومرسّخاً موقعه كرقم صعب في معادلة الصراع الليبي لا يمكن تجاهله.
وفي هذا الإطار، جاءت زيارة قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير للمرة الأولى إلى مدينة بنغازي (شرق ليبيا)، حيث عقد محادثات مع قائد الجيش الوطني ونائبه صدام حفتر. وتوّجت الزيارة بتوقيع اتفاق تعاون عسكري مشترك بين الجانبين، وذلك بعد خمسة أشهر على زيارة حفتر الابن إلى إسلام آباد، ما يعكس مساراً متدرّجاً من التنسيق العسكري، وانتقال العلاقة من التواصل البروتوكولي إلى التعاون العملي والتنسيق المؤسسي.
ويكشف مصدر عسكري ليبي، لـ"النهار"، أن الاتفاق يشمل "التعاون في مجالات التدريب العسكري ونقل الخبرات، بما يساهم في بناء قدرات القوات الليبية، إضافة إلى التنسيق وتبادل المعلومات الاستخباراتية". ويشير إلى أن بنغازي "مهتمّة بالاستفادة من الخبرات التي راكمتها باكستان في مجال رصد العناصر الإرهابية، ومتابعة أنشطتها وتنقّلاتها بين دول المنطقة، فضلاً عن كشف شبكات الدعم اللوجستي والمالي".
وذكر بيان صادر عن الجيش الوطني الليبي أن زيارة منير، على رأس وفد عسكري رفيع المستوى، تأتي في إطار تعزيز الروابط الثنائية بين البلدين، مشيراً إلى أن الطرفين أكدا "عمق العلاقات التاريخية الليبية – الباكستانية، وأهمية العمل على تطويرها".
من جانبه، أوضح الجانب الباكستاني أن المحادثات مع المسؤولين الليبيين تناولت "تعزيز التعاون الدفاعي، مع التركيز على التدريب والشراكة في مجال مكافحة الإرهاب". ونقل البيان تأكيد منير التزام بلاده تعزيز العلاقات الدفاعية مع ليبيا بما يحفظ المصالح المشتركة.
وتعود العلاقات الديبلوماسية بين ليبيا وباكستان إلى خمسينات القرن الماضي، وقد توطدت بشكل خاص خلال عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، قبل أن تشهد تراجعاً ملحوظاً مع اندلاع الاضطرابات السياسية في ليبيا عام 2011.

ويصف المحلل السياسي الليبي عمر أبو سعيدة الزيارة بأنها "مفصلية"، ويقول لـ"النهار" إنها "لم تكن مجرد بروتوكول عسكري عابر، بل محطة استراتيجية في سياق إعادة صوغ التوازنات في ملفي الأمن الإقليمي والليبي". ويوضح في حديثه إلى "النهار" أن "باكستان، بثقلها العسكري والسياسي، تُعد قوة إقليمية تمتلك خبرة متقدمة في مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود والتعامل مع التحديات العابرة للدول". ويرى أن حضورها في ليبيا "يشير إلى اعتراف دولي متنامٍ بالدور المحوري الذي تؤديه قيادة الجيش الوطني، بصفتها المؤسسة الأكثر تماسكاً وتنظيماً، والقادرة على أن تكون شريكاً موثوقاً في بناء منظومة أمنية فاعلة".
ويضيف أن اتفاق التعاون "يفتح آفاق شراكة عسكرية وأمنية متقدمة مع دولة تمتلك واحداً من أقوى الجيوش في آسيا، كما يعزّز الثقة الدولية في قدرة المؤسسة العسكرية الليبية على ضبط الحدود ومحاربة الإرهاب وتأمين الاستقرار".
وبالمثل، يرى الباحث الليبي في العلاقات الدولية أحمد المهدوي أن زيارة قائد الجيش الباكستاني إلى بنغازي "تحمل رسالة سياسية وأمنية واضحة لكل من يراهن على تهميش المؤسسة العسكرية الليبية". ويقول لـ"النهار" إن "دولة في حجم باكستان، بجيشها وخبرتها الطويلة في مكافحة الإرهاب وبناء الجيوش، لا تختار شركاءها عبثاً، بل تتعامل مع من يملك القرار والسيطرة والانضباط على الأرض".
ويخلص إلى أن الزيارة "تؤكد أن بنغازي لم تعد معزولة كما يروّج البعض، بل باتت محطة تواصل عسكري ودولي، وأن قيادة الجيش الوطني الليبي أصبحت رقماً صعباً في معادلة الاستقرار داخلياً وإقليمياً". ويضيف: "الرسالة الأهم هي أنه لا أمن من دون جيش موحّد، ولا حل سياسياً من دون الاعتراف بالمؤسسة العسكرية ركيزة للدولة، لا كطرف ثانوي في أزمة مفتعلة. بنغازي تتحدث اليوم بلغة الشراكات ومنطق الدولة، لا بمنطق الميليشيات".
نبض