الجزائر تتحضّر لقانون مرور جديد... خريطة طريق صارمة لكبح إرهاب الطرقات
تتجه الأنظار في الجزائر نحو إقرار قانون مرور جديد وضعته الحكومة على طاولة النقاش، في خطوة تُوصَف بأنها الأكثر صرامة منذ أكثر من عقدين.
وتحوّلت الطرقات الجزائرية إلى مسرح يومي لمجازر مرورية تحصد عشرات الأرواح، آخرها حادثٌ مروّع وقع قبل أيام في بني عباس جنوبي البلاد، خلّف 13 قتيلاً و35 جريحاً.
هذه الوضعية المتأزمة دفعت السلطات إلى البحث عن حلول أكثر نجاعة، عبر قانون أشدّ ردعاً.
ويرى مختصون أن سنّ قانون جديد للمرور يمثل محاولة جادة لوضع حد لفوضى الطريق التي أودت بحياة عشرات الآلاف، خصوصاً أن الجزائر تسجّل يومياً حوادث مميتة رغم حملات المراقبة.
وتشير تقارير الأمن الجزائري إلى أن أكثر من 90 بالمائة من الحوادث ناجمة عن العامل البشري.
ويضمّ القانون الجديد 193 مادة و50 إجراءً جديداً، يجمع بين الردع والرقابة، مع إدراج فحصين طبي ونفسي دوريَّين للسائقين المهنيين، وتفعيل المراقبة الإلكترونية عبر كاميرات ذكية وأجهزة كشف السرعة والمخدرات. كما يشمل إعادة تصنيف المخالفات وفق خطورتها، وسحباً فورياً لرخصة القيادة في الحالات الجسيمة، وفق ما كشفته رئيسة الجمعية الوطنية لممرّني السياقة (القيادة) نبيلة فرحات.
وتقول فرحات لـ"النهار" إن "القانون الجديد لا ينظر إلى السائق كمذنب دائماً، بل كمواطن يحتاج إلى إعادة بناء وعيه المروري. فالإصلاح، وفق فلسفة المشروع، يبدأ من المدرسة ومراكز التكوين ويمتد إلى الطريق عبر رقابة ذكية ومستدامة". ويعكس ذلك بنوداً تُلزم مؤسسات تعليم القيادة بتحديث برامجها وإدراج مواد بشأن القيادة الوقائية واحترام البيئة المرورية ضمن ثقافة مواطنة مسؤولة.
وبحسب فرحات فإن "القانون الجديد لا يلقي مسؤولية الحوادث على السائق وحده، بل يسعى إلى تصحيح سلوك القيادة عبر التدريب والتربية المرورية"، مشيرة إلى أن "الجزائر اعتمدت طويلاً على معالجة نتائج الحوادث بالعقوبات، دون التطرق إلى جذور المشكلة المتمثلة في وعي السائق وسلوكه".
وتؤكد فرحات أن "إدراج الفحص النفسي الدوري خطوة ضرورية، لأن بعض السلوكيات الخطيرة لا تُفسَّر بالجهل أو قلة الخبرة، بل باضطرابات في التركيز والانفعال. لذلك من المهم أن يصبح الفحص النفسي جزءاً من رخصة القيادة تماماً كما هو الحال في الفحص التقني للمركبة".

من جانبه، يقول الباحث الدولي في السلامة المرورية أمحمد كواش، لـ"النهار"، إن مشروع قانون المرور الجديد "يأتي ضمن ترسانة قانونية موجهة لمكافحة حوادث الطرق"، موضحاً ضرورة أن "يتكيف القانون مع التحوّلات الاجتماعية وأنماط المخالفات المستجدة". ويضيف أن "القانون يتضمن مجموعة محاور أساسية، أبرزها فتح تحقيقات معمقة في أسباب الحوادث وتحديد الأولويات في المعالجة، بعدما كان العامل البشري يتحمّل المسؤولية في معظم الأحيان، بينما كشفت الدراسات وجود أسباب تقنية وتنظيمية لا تقل خطورة".
ويلفت كواش إلى أن "القانون الجديد يمنح صلاحيات موسّعة للأجهزة الأمنية والهيئات المُحلَّفة للتأكد من جدية محاضر المراقبة التقنية، بعد ثبوت وجود تلاعبات في بعض المراكز"، مؤكداً أن "هذا الإجراء سيسمح بتحديد المسؤوليات بدقة والكشف عن الأسباب الحقيقية للحوادث، سواء كانت مرتبطة بالعامل البشري أو بعيوب تقنية وقطع غيار مغشوشة".
نبض