اتحاد الشغل يقرع طبول الإضراب… والسلطة التونسية تستعدّ للمواجهة

شمال إفريقيا 07-12-2025 | 20:55

اتحاد الشغل يقرع طبول الإضراب… والسلطة التونسية تستعدّ للمواجهة

يأتي قرار الإضراب في سياق مناخ عام مأزوم وتوتّر متصاعد بين السلطة والاتحاد العام التونسي للشغل.
اتحاد الشغل يقرع طبول الإضراب… والسلطة التونسية تستعدّ للمواجهة
رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي (وسط) خلال احتجاج خارج مقر الاتحاد في تونس. (أ ف ب)
Smaller Bigger

قرّر الاتحاد العام التونسي للشغل تنفيذ إضراب وطني عام في 21 كانون الثاني/ يناير المقبل، في تطوّر لافت يعكس حالة الشدّ والجذب بين المنظمة النقابية والسلطة.

 

ويقول الاتحاد إنه قرّر التصعيد من أجل مطالب نقابية، فيما يرى أنصار الرئيس أن الإضراب "مسيَّس".

توتر متصاعد
ويأتي هذا القرار في سياق مناخ عام مأزوم وتوتّر متصاعد بين السلطة والاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يُعدّ أقوى منظمة نقابية في تونس ويملك نفوذاً واسعاً رغم أنه ليس حزباً سياسياً.

 

ويضع القرار الجديد الاتحاد في مواجهة مباشرة مع السلطة سعى الطرفان إلى تجنّبها في أكثر من مناسبة، منذ أن أقرّ الرئيس قيس سعيّد التدابير الاستثنائية عام 2021.

 

وتشهد علاقة الاتحاد بالسلطة منذ ذلك التاريخ فتوراً واضحاً تجلّى خصوصاً في انسداد قنوات التواصل بين الطرفين.
ولا يُخفي سعيّد رغبته في تحجيم أدوار الأجسام الوسيطة المختلفة، محمّلاً إيّاها تبعة ما آلت إليه أوضاع البلاد في الأعوام الأخيرة، فيما يؤكد الاتحاد أنه لن يتخلى عن دوره التاريخي.

 

وتوقّف الحوار الاجتماعي بين الاتحاد والحكومة منذ أكثر من عامين، وزاد التوتر بعد التوجّه نحو إقرار زيادة في الرواتب في موازنة العام المقبل بأمر حكومي، من دون المرور بمفاوضات كما هو معمول به عادةً.

دور تاريخي
وعلى امتداد تاريخه الطويل الذي يعود إلى حقبة ما قبل الاستقلال، كان الإضراب العام أحد الأوراق التي لا يلجأ إليها اتحاد الشغل إلا عند انسداد قنوات الحوار.

 

ومن أشهر إضرابات الاتحاد بعد الاستقلال إضراب 26 كانون الثاني1978 الذي خلّف مئات القتلى والجرحى والمعتقلين.
والإضراب الجديد الذي أقرّه الاتحاد، في حال تنفيذِه، سيكون الإضراب الوطني الثالث بعد حوادث 2011، إذ تم تنفيذ إضرابين عامّين عام 2013 إثر اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، فيما شهدت السنوات التالية عدداً من الإضرابات في القطاع العمومي وأُلغيت أخرى بعد التوصّل إلى اتفاقات، وكان آخر إضراب عام في القطاع الحكومي عام 2022.

 

لافتة معلّقة على المقر القديم لاتحاد الشغل احتجاجاً على غلاء الأسعار (اكس)
لافتة معلّقة على المقر القديم لاتحاد الشغل احتجاجاً على غلاء الأسعار (اكس)

 

إضراب مشروع
وقال الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي إن المنظمة قررت الإضراب الوطني العام احتجاجاً على "ضرب العمل النقابي" و"غلق السلطة التنفيذية أبواب الحوار مع النقابات".

 

بدوره، كتب الكاتب العام للاتحاد سامي الطاهري، في منشور على "فايسبوك"، أن الإضراب العام يرفع ثلاثة مطالب رئيسية هي: فرض الحوار الاجتماعي، والدفاع عن حق التفاوض والعمل النقابي، ورفض الزيادة التي أُدرجت في قانون المالية لسنة 2026 في القطاعين العام والخاص.

 

ويقول الكاتب الصحافي المختص بالشأن النقابي صبري الزغيدي، لـ"النهار"، إن الإضراب ليس هدفاً في ذاته بقدر ما هو وسيلة يستعملها الاتحاد للضغط من أجل العودة إلى طاولة الحوار حيال الملفّات المهنية العالقة.

 

ويشير إلى أن الاتحاد اتخذ قرار الإضراب "مُجبَراً"، مؤكداً أنه دُفع إليه "بسبب تعنّت السلطة ورفضها الحوار والتفاوض معه".
ويضيف أن الاتحاد وجّه أكثر من 17 رسالة إلى الحكومات المتعاقبة منذ حكومة نجلاء بودن، من دون تلقي أي رد أو تفاعل.
كذلك، يلفت الزغيدي إلى أن تضمين الزيادة في الرواتب في الموازنة يُعدّ تجاوزاً خطيراً للدستور وللاتفاقات والقوانين الدولية.

إضراب "مسيَّس"؟
لكن خطوة الاتحاد الجديدة، وإن تمسّكت قياداته بتأكيد أنها تأتي لدوافع نقابية بحتة، اعتُبرت "قراراً مسيَّساً" في نظر عدد من المراقبين والفاعلين السياسيين، الذين يربطون بينها وبين المناخ العام المتأزم في البلاد.

 

وفي تقدير كثيرين، أن الاتحاد الذي يعاني أزمات متعدّدة بعضها داخلي، يحاول استعادة دوره ونفوذه من خلال استعمال ورقة الإضراب العام.

 

وترى النائبة في البرلمان التونسي فاطمة المسدّي أن "تحرّك الاتحاد غير مبرّر ومشحون بخلفيات سياسية واضحة".
وتوضح في تصريح لـ"النهار"، أن "الاتحاد لجأ إلى إشهار ورقة الإضراب بهدف الضغط على السلطة وليس باعتباره آلية لحلّ الخلافات".

 

وتعتبر أن المطالب التي يرفعها غير مقنعة، خصوصاً أن الموازنة أقرت زيادة في الرواتب، وترجّح أن الإضراب جاء في سياق التنسيق مع أطراف سياسية.

 

كذلك، تستبعد أن يلقى الإضراب تفاعلاً شعبياً بسبب ضعف الاتحاد وتراجُع قدرته التعبوية، معتبرة أنه "يبحث عن صناعة أزمة"، وأنه "لم يعد يمتلك القدرة التعبوية السابقة، ولم تعد قواعده مستعدة لخوض معركة سياسية بالوكالة عن المعارضة".

 

ويبدو الإضراب العام، وإن اختلفت القراءات بشأنه، أكثر من مجرد تحرك نقابي؛ فهو اختبار حقيقي للاتحاد في مدى قدرته على تعبئة الشارع، وللسلطة في مدى قدرتها على إدارة التوترات الاجتماعية في مناخ عام مأزوم بطبيعته.

الأكثر قراءة

العالم العربي 12/7/2025 2:40:00 PM
ضابط سوري سابق: "بدا الأمر كأنه معدّ مسبقاً. لكنه كان مفاجئاً لنا. كنّا نعرف أن الأمور ليست على ما يرام، لكن ليس إلى هذا الحد"...
سياسة 12/7/2025 9:18:00 AM
"يديعوت أحرونوت": منذ مؤتمر مدريد في أوائل التسعينيات، لم يتواصل الدبلوماسيون الإسرائيليون واللبنانيون مباشرةً
سياسة 12/7/2025 12:00:00 PM
الأسلحة الأميركية للجيش تشمل مركبات وأسلحة متوسطة دفاعية لا هجومية ضمن المساعدات الدورية...