خطّة ليبيّة لترحيل المهاجرين… ابتزاز لأوروبا؟
كشفت طرابلس عن استراتيجية جديدة لترحيل آلاف المهاجرين غير النظاميين من أراضيها، لكنها رهنت تنفيذها بتلقّي مساعدات أوروبية. وفي ظلّ شكوى دول أوروبية من تصاعد تدفّق المهاجرين عبر السواحل الليبية، عقد وزير داخلية حكومة العاصمة عماد الطرابلسي مؤتمراً صحافياً خُصِّص لعرض البرنامج الوطني لترحيل المهاجرين غير الشرعيين. وقال فيه: "نتعاون مع المجتمع الدولي لترحيل المهاجرين وفق مبدأ تقاسم الأعباء. وإذا أراد الاتحاد الأوروبي التعاون فنحن مستعدّون، لكنني لا أستطيع تحمّل مسؤولية تكديس ملايين المهاجرين في ليبيا".
وكشف الطرابلسي، في المؤتمر الذي حضره ديبلوماسيون غربيون، أن عدد المهاجرين غير القانونيين في ليبيا بلغ نحو ثلاثة ملايين شخص، وهو رقم صادم يرفع مستوى المخاوف الليبية من احتمال التوطين، بعدما كانت المنظمات الدولية تتحدث عن أقل من مليون مهاجر في البلاد.
وأوضح الوزير الليبي: "حين شرعنا في ملف الترحيل، وجدنا أن عدد العائلات كبير جداً. وعندما نتحدث عن ثلاثة ملايين مهاجر، فإن 70 في المئة منهم عائلات. وهذا يُعدّ توطيناً، والشعب الليبي يرفض هذا الأمر".
وأضاف موجهاً رسالة ضمنية إلى أوروبا: "نرفض توقيف المهاجرين في البحر وإعادتهم إلى ليبيا. وإذا حصلنا على الدعم، فسنقوم بترحيل مئات الآلاف من المهاجرين إلى بلدانهم".
وأشار أيضاً إلى "ترحيل آلاف المهاجرين نظامياً منذ تموز/يوليو 2024 وحتى أيلول/سبتمبر الماضي، عبر رحلات جوية وفق إجراءات قانونية وبالتنسيق مع السفارات والبعثات الديبلوماسية للدول المعنية".
وفي ظل تصاعد خطاب التحريض ضد المهاجرين في ليبيا وانتشار فيديوات توثّق انتهاكات يتعرّض لها الأفارقة، ولا سيما النساء، حمّل الطرابلسي المهاجرين مسؤولية أزمات اقتصادية كبيرة، إلى جانب انتشار الجرائم وتهريب السلاح والمخدرات. وقال: "الدولة تتحمّل تكاليف ضخمة. فوفق تقديراتنا، يرسل المهاجرون إلى ذويهم شهرياً نحو 600 مليون دولار، وهذه الأموال يحصلون عليها من السوق السوداء".

لكن الحقوقي الليبي المختص بملف الهجرة طارق لملوم، يُشكّك في الأرقام التي قدّمها الطرابلسي، وكذلك في قدرته على ترحيل هذا العدد من ليبيا.
ويقول لملوم لـ"النهار": في الوقت الذي قدّم فيه الطرابلسي نفسه للأوروبيين بوصفه القادر على حماية حدودهم ومنع وصول المهاجرين مقابل دعم مالي، كان الواقع على الأرض يبرهن محدودية نفوذه، إذ لا يسيطر سوى على أجزاء من طرابلس وبعض مناطق الغرب الليبي. ففي المقابل، كان وزير داخلية حكومة الشرق يعقد اجتماعات مع الجاليات السورية والسودانية، ويقدّم تسهيلات إدارية وقانونية، ويُشرف على أكبر مركز احتجاز للمهاجرين في بنغازي ضمن رقعة جغرافية أوسع وأكثر استقراراً".
ويضيف: "لذلك لا يعرف الطرابلسي تفاصيل ملف المهاجرين في شرق ليبيا وجنوبها. وهذا يوضح أن خططه محكومة بالفشل، لأنها لا تستند إلى سيطرة حقيقية على الأرض، ولا إلى سلطة موحّدة في بلد منقسم. وحتى البنى التحتية في ليبيا لا تستوعب الأعداد الكبيرة التي تحدّث عنها من المهاجرين المحتجزين قبل ترحيلهم". ويلفت أيضاً إلى "وجود صراع داخل العاصمة حيال من يدير ملف الهجرة، خصوصاً بعدما أوقف رئيسُ الحكومة عبد الحميد الدبيبة رئيسَ جهاز الهجرة غير الشرعية السابق في آب/أغسطس الماضي".

ويربط لملوم بين توقيت تصريحات الطرابلسي وبدء مثول القيادي في "جهاز الردع" خالد الهشري أمام المحكمة الجنائية الدولية بتُهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، مع تأكيد المحكمة أنها ستلاحق متهمين آخرين بارتكاب انتهاكات داخل مراكز احتجاز المهاجرين، بينهم شخصيات ترتبط بعلاقات وثيقة بوزير الداخلية وشقيقه عبد الله الطرابلسي، الملقّب بـ"الفراولة"، والذي يرأس جهاز الأمن العام.
ويرى لملوم أيضاً أن الوزير سعى، من خلال خطابه، إلى تمرير رسائل عدة إلى الليبيين بأن "مشكلاتكم الاقتصادية وهمومكم المعيشية سببها المهاجرون الأفارقة"، وإلى الأوروبيين لضمان إبرام اتفاقات تحصل بموجبها ليبيا على دعم مالي ولوجستي لمراكز الاحتجاز، وللتلميح إلى كلفة ترحيل المهاجرين عبر الطيران. ويُرجّح أن "الاتحاد الأوروبي لن يستجيب لهذا الابتزاز".
نبض