"حرب هجينة"... ما خلفيات التحذيرات السويدية من الأنشطة الروسية في شمال أفريقيا؟
في تصريح يعكس حجم التحوّلات الجيوسياسية المحيطة بحوض المتوسّط، حذّر رئيس أركان الجيش السويدي مايكل كلايسون من تنامي الأنشطة الروسية في شمال أفريقيا، داعياً حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى الانتباه لما يحدث في هذه المنطقة التي باتت – وفق تقديره – "جزءاً من مسرح المواجهة غير المباشرة بين روسيا والغرب". ويطرح هذا التحذير العديد من التساؤلات بشأن خلفيته وحقيقة الوجود العسكري الروسي في المنطقة، وإلى أي مدى قد تتحوّل إلى ساحة صراع وتنافس بين الجانبين.
لحظة فارقة
وجاءت هذه التصريحات الصادرة عن أعلى مسؤول عسكري سويدي في لحظة تشهد فيها موازين القوى في العالم تغييرات جذرية. ففيما تواصل موسكو إعادة تموضعها في القارة الأفريقية، سواء عبر الشراكات التقليدية أو أدوات "الحرب الهجينة"، ينغمس "الناتو" في مستنقع الحرب الأوكرانية التي يبدو أن إنهاءها سيكون على حساب مصالح أوكرانيا وأوروبا، وفق ما يؤكده المحلل السياسي نزار مقني.
ويقول مقني لـ"النهار" إن التحذير السويدي يعكس إدراك السويد – المنضمة حديثاً للحلف – حجم التهديد الروسي، خصوصاً في ظل وجود تماهٍ أميركي – روسي تجلّى مع الخطة التي أعلنها ترامب قبل أيام لحل هذه الأزمة.
حضور لافت
وتتطابق تحذيرات القائد السويدي مع أخرى سابقة تحدّثت عن تمدّد روسي رسمي وغير رسمي لافت في منطقة شمال أفريقيا. وقد سعت روسيا في السنوات الأخيرة لتعزيز حضورها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في المنطقة القريبة من حدود أوروبا عبر اتفاقيات ثنائية مشتركة شملت مجالات متعددة.
ويقول مقني إن روسيا تسعى للتموضع في شمال أفريقيا في إطار محاولتها محاصرة أوروبا في مجالاتها الحيوية التقليدية.

حضور عسكري قوي
وتملك روسيا حضوراً عسكرياً قوياً في ليبيا، وفق الدكتور والمحلل السياسي الليبي حسام الدين العبدلي الذي يقول لـ"النهار" إن "موسكو استطاعت خلال السنوات الأخيرة تعزيز وجودها في حوض المتوسط وشمال أفريقيا، مستغلةً الفراغ الذي تركته واشنطن وأوروبا بعدما أسهمتا في إسقاط أنظمة عدد من دول المنطقة".
ويعتقد العبدلي أن "الناتو يخشى هذا الحضور العسكري المتنامي الذي طالما اعتبره جزءاً من مناطق نفوذه التقليدية"، مؤكداً أن لموسكو وجوداً عسكرياً مهماً في ليبيا. ويشدد المحلّل الليبي على أن "الناتو والولايات المتحدة كانا وراء ذلك عبر ارتكاب خطأ تركها ممزقة"، موضحاً: "لقد تركا فراغاً واضحاً في ليبيا بعد إسقاط نظامها وتقسيمها وإغراقها في الفوضى، وهذا الفراغ استغلّته موسكو التي تجيد اقتناص الفرص".
ويتحدّث العبدلي كذلك عن توسّع الحضور الروسي في السودان، مشيراً إلى ما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال" بشأن اقتراب موسكو من توقيع اتفاقية مع الجيش السوداني تمتد 25 سنة للحصول على قاعدة بحرية في بورتسودان مقابل تقديم الدعم له، معتبراً ذلك "خطوة مخيفة بالنسبة إلى الغرب لأنها قد تغيّر ميزان النفوذ في واحد من أهم الممرات البحرية العالمية".
تصدير الأزمات
لكن التحذيرات تشمل أيضاً الدور الذي تقوم به موسكو في نشاط تهريب المخدرات وتسهيل عبور المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء عبر دول شمال أفريقيا نحو أوروبا. ويرى مراقبون أن روسيا تسعى للضغط على أوروبا عبر إغراقها بجحافل من المهاجرين.
ويقول مقني إن الحرب اليوم بين روسيا وأوروبا هي حرب غير تقليدية، مؤكداً أن موسكو تشنّ ما يُعرف بـ"الحرب الهجينة" على أوروبا، وهي حرب بأهداف عسكرية وسياسية وتجارية.
ويرى مقني أن شمال أفريقيا منطقة هامة بالنسبة إلى روسيا في إطار حربها الهجينة على أوروبا، موضحاً: "هي تسعى لمحاصرة أوروبا داخل مناطق نفوذها التقليدية، حيث يوجد شركاؤها المتقدمون". ويشير إلى أنه بعد مقاطعة الغاز الروسي، فكرت أوروبا في شمال أفريقيا كوجهة بديلة، وهو ما تفطنت له موسكو التي سعت لعكس الهجوم وفرض حصار طاقي عليها.
ويؤكد مقني أن روسيا دعمت قائد الجيش الليبي خليفة حفتر وحافظت على علاقات جيدة مع طرابلس حيث باتت لها قواعد عسكرية، لافتاً إلى الدور الذي قامت به قوات "فاغنر" في المنطقة. ويشير مقني أيضاً إلى سياسة روسية قائمة على "تصدير الأزمات" في حربها ضد أوروبا.
ويضيف أنه لم تعد موسكو تعتمد فقط على العمليات العسكرية المباشرة، بل باتت تحرك سلسلة من الأدوات غير التقليدية مثل شبكات الهجرة غير النظامية والتهريب وتوظيف النفوذ الأمني في بعض الدول الأفريقية لإحداث ضغط متعدد الأبعاد على أوروبا.
وتتقاطع هذه الرؤية مع آراء خبراء أوروبيين يرون أن موسكو تستثمر في هشاشة دول الجنوب والفراغات الأمنية التي خلّفتها فرنسا في منطقة الساحل لخلق نقاط تماس جديدة على تخوم أوروبا الجنوبية، بما يمنحها قدرة أكبر على التأثير في التوازنات الاستراتيجية للبحر الأبيض المتوسط.
ويرى مقني أن إغراق أوروبا بجحافل المهاجرين "أسهم كثيراً في صعود اليمين المتطرف، الذي كان له تأثير بيّن على سياسات أوروبا وتماسكها عموماً".
نبض