واشنطن تستعجل توحيد جيش ليبيا… لا مستقبل للميليشيات؟
حملت الزيارة الثانية خلال أقل من شهرين لقائد عسكري أميركي بارز إلى ليبيا رسائل سياسية وعسكرية عدة، وذلك قبل تمرين مشترك يجمع للمرة الأولى قوات من شطري هذا البلد، ضمن مناورات "فلينتلوك 26" التي تنظمها الولايات المتحدة، والمقررة في نيسان/أبريل المقبل في مدينة سرت الساحلية وسط البلاد.
بدا واضحاً من حيث المضمون أن واشنطن أعطت الأولوية للملف الأمني، وأن مسألة التعاون والتنسيق، على أقل تقدير، بين المتقاتلين في شرق ليبيا وغربها، لم تعد خياراً يُتفاوض بشأنه تمهيداً لإعادة هيكلة الجيش الليبي وتوحيده. ويمثل إشراك قوات ليبية مشتركة في مناورات أميركية خطوة مفصلية في هذا الملف. كما تؤمن الإدارة الأميركية بأن نجاحها في الملف الأمني سينعكس إيجاباً على الوضعين السياسي المتفاقم والاقتصادي المتردي، بعد سنوات كانت الأولوية فيها لمحاولة حل العقد السياسية.
أما من حيث الشكل، فكان لافتاً حرص قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا "أفريكوم" الجنرال داغفين أندرسون، خلال زيارته الاثنين الماضي رفقة القائم بأعمال السفير الأميركي في ليبيا جيريمي برنت، ومن قبله نائبه الفريق جون برينان، أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، على لقاء المسؤولين الرسميين حصراً في العاصمة طرابلس: رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ووكيل وزارة الدفاع عبد السلام الزوبي، ورئيس الأركان محمد الحداد. أما في بنغازي، فاجتمع بقائد "الجيش الوطني" خليفة حفتر ونجليه: نائبه صدام ورئيس الأركان خالد، فيما تجنب المسؤولان لقاء قيادات عسكرية نافذة محسوبة على "الميليشيات"، التي طالما كانت حاضرة على الطاولة الأميركية والدولية في أوقات سابقة، في تغيير أعطى إشارة رمزية ربطها مراقبون بالتحركات الأميركية في الإقليم لإنهاء وجود القوى المسلحة الخارجة عن إطار الدولة.

مع ذلك، ظهر التباين واضحاً بين البيانات الليبية بشأن المحادثات وتصريحات الجنرال الأميركي عقب لقاءاته، ففيما أكد الأخير على دعم بلاده "الجهود الليبية لتجاوز الانقسامات وتوحيد الجيش"، وأن "ليبيا موحدة وذات سيادة ستعزز الاستقرار الإقليمي وتفتح مجال التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة وشركاء آخرين"، تركز حديث طرابلس وبنغازي على أهمية التدريبات المشتركة والتعاون الأمني مع واشنطن في ملفات مكافحة الهجرة والإرهاب وعصابات الجريمة، من دون الإشارة إلى توحيد المؤسسة العسكرية.
ويرى الأكاديمي الليبي أسامة الشحومي أن زيارات قادة "أفريكوم" المتتالية "تأتي ضمن مسار أميركي متدرج، وهي مؤشر واضح على ارتفاع مستوى اهتمام واشنطن بالملف الليبي، مع نقل العلاقة من مستوى الاتصال الديبلوماسي إلى العسكري المباشر".
ويوضح الشحومي، لـ"النهار"، أن توحيد المؤسسة العسكرية "على رأس الملفات التي يجري بحثها، بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وضبط الحدود، لا سيّما الجنوبية، في ظل التوتر الحاصل في دول غرب أفريقيا، ولا يجب أن ننسى الحضور الروسي في المنطقة ومحاولاته تحجيم تأثيره في ليبيا".
ويلاحظ الشحومي "رغبة أميركية لوضع ترتيبات أمنية جديدة قبل الدخول في مرحلة سياسية حاسمة"، مؤكداً أن لقاءات الجنرالات الأميركيين وطريقة إدارة الملف "تحمل رسالة واضحة، مفادها أن الشرعية العسكرية ستكون فقط للمؤسسات الرسمية بعد توحيدها، وأن مستقبل ليبيا الأمني لن يقوم على تعدد القوى المسلحة، وأن واشنطن لن تعترف بأي ميليشيا مهما كان نفوذها المحلي كطرف سياسي أو أمني"، ويتوقع أن تمضي باقي الدول والأمم المتحدة على الخط نفسه الذي تؤسسه الولايات المتحدة.
ووفقاً للأكاديمي الليبي، فإن "المجتمع الدولي بات يعلم أن أي مسار سياسي أو اقتصادي مستدام لن ينجح من دون هيكل أمني موحد، وبالتالي فإن استعجال واشنطن إنجاز ملف توحيد الجيش يحمل انعكاساً مباشراً على خلق بيئة أقل استقطاباً، ويقلص من قدرة أي طرف مسلح على عرقلة العملية السياسية. كما أن المؤسسة العسكرية ضرورية لحماية حقول إنتاج النفط في ظل عودة ليبيا إلى سوق الاستثمار في مجالي النفط والغاز"، مسجلاً رغبة أميركية "في أن تُدير ليبيا مواردها بعيداً عن لغة السلاح والصدام. الأمن الموحد مفتاح لحلحلة المشكلات السياسية والاقتصادية".
نبض