ولد حزب الجبهة الوطنية، مطلع العام الجاري، "عملاقاً"، يضم في هيئته التأسيسية وزراء ومحافظين سابقين وشخصيات عامة وسياسيين بارزين، ما جعل سقف التوقعات بشأن مستقبله يصل "عنان السماء". 

فتح تأسيس الحزب في نفس العام الذي يشهد استحقاقين مهمين، وهما انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب لعام 2025، باباً واسعاً لتكهنات متباينة، إلا انه كان ثمة ما يشبه الإجماع على أنه سيكون "الحصان الأسود" في مضمار السباق الانتخابي.

لكن حدث ما لم يكن متوقعاً: الحزب الذي انضم إلى "القائمة الوطنية من أجل مصر" التي تتشكل من 11 حزباً آخر ، ضربته سلسلة استقالات وانسحابات متتالية لكوادر وقيادات مهمة، بالتوازي مع انطلاق الاستحقاق النيابي، في تشرين الثاني/نوفمبر الجاري. 

وأثار بعض تلك الاستقالات ضجيجاً، ومر بعضها بهدوء، ما طرح تساؤلات بشأن مستقبل ذلك الكيان السياسي الذي ولد عملاقاً، وما إذا كان قد بدأ في التصدع سريعاً.


استقالات مزلزلة
وكان من أواخر الاستقالات إعلان اللواء كمال الدالي، محافظ الجيزة الأسبق، وأمين الحزب بالمحافظة، استقالته وانسحابه من المنافسة الانتخابية في إحدى دوائر الجيزة.

الدالي وهو ضابط شرطة سابق، يحظى باحترام واسع في أوساط المصريين بسبب تاريخه المهني والسياسي، قال في بيان استقالته: "تقدمت بالأمس (الثلاثاء) للهيئة الوطنية للانتخابات بالاعتذار عن استكمال السباق الانتخابي لمجلس النواب 2025 عن الدائرة الأولى لمحافظة الجيزة. كما أُعلن استقالتي من حزب الجبهة الوطنية كأمين للحزب بمحافظة الجيزة".
‏‎
وأضاف: "وقفت مع نفسي وقفة رجل يحترم من يقف خلفه، وسألت نفسي: هل الأنسب الآن هو الاستمرار أم أن الحكمة تقتضي الاعتذار والتوقف؟ ومن هنا جاء قرار الاعتذار عن الاستمرار".

كما، أعلن النائب البرلماني السابق المستشار محمد سليم في بيان رسمي عن استقالته، وقال: "تقدمت بالاعتذار  عن خوض الانتخابات البرلمانية القادمة، واستقلت من منصبي كأمين لحزب الجبهة الوطنية بمحافظة أسوان، لأن العقل والقيم يجب أن تسبقا الطموح والمنافسة". 

سوء إدارة
من جانبه، يرى السياسي والكاتب الصحافي عبد الجواد أبو كب أن تلك الانسحابات والاستقالات تعبر عن سوء الإدارة في ما يتعلق بالمشاركة الانتخابية لـ"الجبهة"، ويقول لـ"النهار" إن "الحزب الذي يعد واحداً من أكبر الأحزاب المصرية، لا زال وليداً، لم يكتمل تكوينه تماماً بعد"، لافتاً إلى أن "أولى تجاربه كانت انتخابات مجلس الشورى، التي جرت في شهر آب/أغسطس الماضي".

ويضيف السياسي المصري: "الحزب له ثقله بسبب الرموز والقيادات التي تشارك فيه، فهو يضم 5 وزراء سابقين، وقيادات تنفيذية وأمنية لها تاريخ وطني مشهود".

عبد الجواد أبو كب

ويرجع الكاتب الصحافي بداية الأزمة إلى تجاهل رموز وقيادات برلمانية وسياسية مهمة في محافظة سوهاج، ويقول: "لعبت سوهاج دوراً محورياً في تأسيس الحزب، وحين بدأ اختيار المرشحين عن الحزب في القائمة، تم تجاهل أهم رموز المحافظة، وتم اختيار مرشحة من خارج المحافظة، ما أغضب كوادر حزبية مهمة من أبناء سوهاج، ودفعهم للانسحاب أو الاستقالة".

ضربات كبرى
ويشير أبو كب إلى أن استقالة الدالي من أكبر الضربات التي تلقاها الحزب، ويقول: "اللواء الدالي، بناء على معرفتي به، لا يمكن أن ينسحب خشية خسارة في الانتخابات، فهو شخصية شجاعة وتتحلى بقدر كبير من الاحترام للذات، واستقالته أعلنت من دون سبب واضح".

وعن السجالات التي أثيرت بعد استقالة المستشار محمد سليم من الأمانة المركزية للحزب، يقول الكاتب الصحافي: "يعود أصل الأزمة إلى نشر خبر، بطريقة تبدو مغرضة، وتستهدف الوقيعة بين كوادر الحزب، واعتقد أن الخبر نشر أول الأمر على قناة "الشرق" الإخوانية، ثم انتشر، ما دفع الحزب للرد، وفتح باباً للجدل". 

وحاولت "النهار" الحصول على تعليق من مسؤولين بالحزب، ولكنها لم تتلقَّ رداً.  

إلا أن الحزب أصدر تعليقاً على استقالة سليم، أثار المزيد من اللغط.  وجاء فيه""نفى السيد القصير، الأمين العام لحزب الجبهة الوطنية، ما تردد ونشر مؤخراً عن تقديم المرشح محمد سليم استقالته من منصب أمين حزب الجبهة بمحافظة أسوان لأنه لا يتولى هذا الموقع بالحزب، (..) ليس مرشحاً عن الحزب في كوم أمبو، ولا يوجد أي مرشحين للحزب في تلك الدائرة المذكورة".

ورغم الضجيج الذي خلفته استقالات كوادر حزبية مهمة، وتأثيراتها المرتقبة على تماسك الكيان السياسي الوليد، لا يبدو، حتى اللحظة، أن الحزب يتصدع من الداخل، ولكن لا ريب في أن ما جرى سيترك أثره العميق، فإما أن تتم معالجته بحكمة، وإما تكون السيناريوات كافة مطروحة للحدوث.