العفو عن صنصال… هل تنازلت الجزائر؟
قرّرت الجزائر العفو عن الكاتب بوعلام صنصال في خطوة لافتة جاءت بعد وساطة قادها الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، عبر رسالة وجّهها إلى نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، طلب فيها القيام بلفتة إنسانية تشمل العفو عن الكاتب المسجون منذ نحو عام.
وقد أثار قرار العفو عن صنصال تساؤلات حيال خلفياته وتوقيته، وفتح الباب أمام قراءات سياسية وديبلوماسية متباينة، إذ رأى البعض فيه تراجعاً مبدئياً، بينما اعتبره آخرون تعبيراً عن نضج دولة تُغلّب منطق القانون والعقلانية السياسية.
الكاتب الجزائري ـ الفرنسي بوعلام صنصال، الذي أثارت مواقفه وتصريحاته الإعلامية قبيل توقيفه جدلاً واسعاً في الجزائر، أصبح قرار العفو عنه في قلب معادلة دقيقة. فبعد مسار قضائي استوفى كل درجات التقاضي، جاء القرار الرئاسي ليؤكّد، وفق محلّلين، أن الدولة الجزائرية وضعت منطق المؤسسات فوق الانفعالات، وأدارت الملف بعيداً عن منطق الكسر والمواجهة.

يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة المدية عبد الحكيم بوغرارة أن "مسار القضية احترم العدالة بشكل كامل، إذ تم اعتقال صنصال والتحقيق معه، ثم برمجة قضيته وإصدار الأحكام إلى غاية استنفاد درجات التقاضي والحكم عليه بخمس سنوات حبساً نافذة".
يوضح بوغرارة لـ"النهار" أن ذلك "يجسّد احترام العدالة"، وأن "الدستور الجزائري يمنح رئيس الجمهورية صلاحية العفو عن السجناء، ما يجعل القرار في جوهره إجراءً دستورياً وتقنياً".
أما ديبلوماسياً، فيؤكد بوغرارة أن الجزائر "تعاملت مع الطلب الألماني بهدوء واحترام كامل لسيادتها"، مضيفاً أن "تسليم صنصال إلى ألمانيا وليس إلى فرنسا يعزّز الموقف الجزائري تجاه الأطراف التي تنظر إلى الأحداث من زاوية واحدة". ويشير إلى أن "الموقف الفرنسي تراجع عن لهجته الاستفزازية تجاه الجزائر في الفترة الأخيرة، إذ عبّرت باريس عن شكرها وأبدت رغبة في الحوار، في إشارة إلى نجاح الجزائر في إدارة الأزمة بسياسة رزينة قائمة على الاحترام المتبادل".
كذلك، لم يغب البعد الإنساني عن القرار، إذ يوضح بوغرارة بأن "الجزائر أخذت في الاعتبار الوضع الصحي لصنصال وسنه المتقدمة"، مذكّراً بالسماح سابقاً لعائلته بزيارته.
وفي الرد على من اعتبر العفو عن كاتب أُدين بتهم المساس بالوحدة الترابية تنازلاً سياسياً، يشدّد بوغرارة على أن العفو "لم يكن خضوعاً لضغوط خارجية، بل خطوة محسوبة تُترجم منطق الدولة التي توفّق بين الصرامة القانونية والمرونة الديبلوماسية".
من جهته، يؤكد المحلل السياسي أنيس بوقيدر، في حديث مع "النهار"، أن "العفو يشكّل رسالة إيجابية إلى الخارج، تُظهر أن الجزائر قادرة على اتخاذ قرارات رشيدة تحفظ مصالحها السيادية، وتراعي في الوقت نفسه الوضع الإنساني والصحي لصنصال". لكنه يلفت إلى "غياب تفاصيل كافية ومعطيات رسمية دقيقة حتى الآن حول الإجراءات المتخذة لضمان فهم شامل للأحداث"، مضيفاً أن "الاطلاع على المعلومات الرسمية يتيح وضع تقييم موضوعي وتحليل متوازن للقضية، بعيداً عن التكهنات أو التفسيرات غير المؤكدة".
نبض