تتجه الأنظار في الجزائر نحو جملة من القوانين التي لم ترَ النور بعد، رغم النقاش الواسع الذي أثارته في الأوساط السياسية. فقد عرف قانونا البلدية والولاية، إلى جانب قانون الأحزاب والتعديلات المرتقبة على قانون الانتخابات، تأخراً من دون أي تبرير من قِبَل السلطات، سواء الحكومية أو النيابية، ما أثار تساؤلات عدة بشأن تداعيات هذا التأخر على المشهد العام، خصوصاً أن الجزائر على مشارف الاستحقاقات البرلمانية والمحلية.
ويرى مختصون أن تأخر المصادقة على القوانين الجديدة، لا سيما تلك المتعلقة بالبلدية والولاية والأحزاب والانتخابات، لا يعكس بالضرورة تراجعاً في الإرادة السياسية، بقدر ما يترجم حرص السلطات على إخراج نصوص أكثر عمقاً وفعالية، تواكب التحوّلات التي تشهدها البلاد.
ويؤكد المحلل السياسي محمد هدير، لـ"النهار"، أن "مشاريع القوانين الجديدة المتعلقة بتعديل قانونَي البلدية والولاية أخذت وقتاً طويلاً في مسار التصديق عليها داخل البرلمان بغرفتيه، لكنها بلغت اليوم مرحلة النضج، ومن المنتظر أن ترى النور قريباً". ويضيف: "هذه القوانين جاهزة تقريباً، وهي بصدد الإثراء بأفكار ونصوص جديدة تعكس التحوّلات التي تعرفها الجزائر، سواء على مستوى الدولة أو الجماعات المحلية التي تُعدّ النواة الأولى في تطوير المجتمع".
ويشير هدير إلى أن "الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون التزم بجملة من النقاط الجوهرية ضمن قانون البلدية المرتقب، أبرزها منح رئيس البلدية صفة الآمر بالصرف، إلى جانب إبعاد بعض النشاطات عن صلاحيات البلدية لتُسند إلى مؤسسات مختصّة". كما يوضح أن "قانون الولاية سيحمل بدوره توسعة في صلاحيات الولاة، بحيث يصبح بإمكانهم إصدار قرارات محلية وتنظيمية على مستوى الولاية، مع إمكانية تزويد الوالي بمستشارين لمساعدته في اتخاذ القرار السليم والفعّال".
ويرى هدير أن "السلطة الحكومية تفكر بعمق وتريّث في إثراء هذه القوانين، لأن المجالس المحلية تُعدّ الفاعل الأساسي في التنمية الميدانية، بحكم احتكاكها المباشر بالمواطن". ويختم قائلاً إن "المرحلة المقبلة ستحمل ملامح إصلاحات جوهرية تُعيد الاعتبار للتسيير المحلي الحديث في الجزائر"، مشيراً إلى أن "ما يجري ليس تأخراً بقدر ما هو إعداد دقيق لمرحلة نوعية تُعيد رسم علاقة المواطن بالإدارة على أسس جديدة من الكفاءة والشفافية والمساءلة".

تتجه الأنظار في الجزائر نحو جملة من القوانين التي لم ترَ النور بعد. (وكالات)

من جهتها، تقول الصحافية إيمان لواس إن "بقاء عدد من القوانين الهامة، على غرار قانونَي البلدية والأحزاب، مجمّدة في خانة المشاريع من دون مناقشة أو مصادقة رسمية، يعكس نوعاً من البطء التشريعي الذي قد ينعكس سلباً على ديناميكية الساحة السياسية، خصوصاً ونحن على مشارف الانتخابات البرلمانية والمحلية".
وتؤكد لواس، لـ"النهار"، أن "غياب هذه الأطر القانونية المُحدَّثة يجعل المشهد السياسي يراوح مكانه، ويؤخر عملية تجديد الممارسة الديموقراطية التي دعا إليها الرئيس تبون، خاصة في ظل الدعوات المتكررة لإعادة بعث الحياة السياسية ومنحها نفساً جديداً يقوم على التعددية الفاعلة والشفافية".
وتوضح أن "أسباب هذا التأخر تعود إلى جملة من العوامل المتداخلة، أبرزها حرص السلطات الحكومية على أن تكون النصوص القانونية متماشية مع متطلبات المرحلة المقبلة، لا مجرد تعديلات شكلية". وتضيف لواس أن "الحسابات السياسية والتحضيرات المسبقة للاستحقاقات قد تكون بدورها عاملاً في تأجيل النقاشات، تفادياً لأي توتر حزبي أو اختلافات قد تُفرمل التحضيرات الميدانية".
وترى الصحافية الجزائرية أن "إجراء الانتخابات في ظل القوانين الحالية يظل ممكناً، بل يمكن أن يشكل محطة انتقالية نحو إصلاحات أوسع، شرط احترام مبدأ تكافؤ الفرص وفتح المجال أمام الأحزاب الجادّة للتنافس بحرّية". لكنها تحذّر في الوقت ذاته من أن "تأجيل إصدار القوانين الجديدة إلى ما بعد الانتخابات قد يُفقد العملية الانتخابية بعضاً من مصداقيتها الإصلاحية المنتظَرة، ويجعلها تبدو استمراراً للوضع القائم بدل أن تكون انطلاقة حقيقية لتجديد فعلي في المشهد السياسي والنيابي".