مأساة السودانيين الفارّين من الفاشر... اعتقال أو تجويع أو ضرب!
يواجه المدنيون الفارّون من العنف في مدينة الفاشر في إقليم دارفور بغرب السودان مخاطر متزايدة، بينها التجويع أو الضرب حتى الموت أو الوقوع في قبضة قوّات الدعم السريع التي أصبحت تسيطر على المدينة.
وفرّ عشرات الآلاف من مدينة الفاشر بعد أن أعلنت قوّات الدعم السريع السيطرة عليها بعد أكثر من 18 شهراً من حصار قاس واشتباكات عنيفة مع الجيش السوداني في سياق الحرب التي اندلعت في نيسان/أبريل 2023.
ومنذ سقوط المدينة، توالت شهادات عن إعدامات ميدانية وعنف جنسي وهجمات على عمال الإغاثة وعمليات نهب وخطف، بينما لا تزال الاتّصالات مقطوعة إلى حدّ كبير.
وأفاد شهود وكالة "فرانس برس" باعتقال الدعم السريع لمئات المدنيين أثناء محاولتهم الخروج من الفاشر عبر مدينة قرني وإطلاق سراحهم مقابل فدية تبلغ مئات الدولارات.
وأوضح أحد المفرج عنهم أنّه تم احتجاز نحو 150 شخصاً في غرفة واحدة قبل أن"تتم تصفية الجزء الأكبر منهم" في حين أُطلق سراح آخرين بعد دفع فديات.

"أنتم عبيد"
ويقول حسين الذي طلب عدم ذكر اسمه الكامل حفاظاً على سلامته، إنّه تم احتجازه لأربعة أيام مع 200 شخص في مدرسة في قرني القريبة من الفاشر وكان "يتم ضربنا بالعصي ويقولون لنا أنتم عبيد".
ومن داخل أحد معتقلات قوّات الدعم السريع في قرني، أرسل عباس الصادق مقطعاً مصوّراً لعائلته طالباً منها إرسال مليوني جنيه سوداني (نحو 900 دولار) مقابل إطلاق سراحه.
وقال أحد أقرباء الصادق لـ"فرانس برس" إنّهم لم يكونوا على علم باعتقاله حتى طلب الفدية، فقاموا بإرسالها قبل أن يُطلق سراحه.
وحذّر مختبر البحوث الإنسانية في جامعة ييل الأميركية من أن صور الأقمار الاصطناعية تشير إلى تجمّعات كبيرة من النازحين في قرني شمال غرب الفاشر "والتي تشهد انتهاكات ضخمة لحقوق الإنسان بحسب تقارير"، وفقاً للمختبر.
وصل حسين سالم وعائلته إلى مدينة طويلة غرب الفاشر بعد رحلة شاقة استمرت 5 أيام شاهدوا خلالها "جثثاً كثيرة غير مدفونة لأناس ماتوا من الجوع والعطش وآخرين بالرصاص".
ويقول سالم لـ"فرانس برس"، جالساً على الأرض تحت الشمس "دفنت ابني الكبير قبل أن نصل إلى قرني بعد أن ضربوه أمام عيني وعيون أطفاله".
وتقول سعاد عبد الرحمن إنّها فقدت الاتّصال بوالدتها وأشقائها فور خروجهم من الفاشر "ولا أعلم إن كانوا عادوا إلى الفاشر أم ذهبوا إلى مكان آخر".
وتضيف جالسة تحت مظلّة صنعت من ملابس قديمة معلّقة على شجرة شوكية في أحد شوارع طويلة، "أنا هنا وحدي".
الموت جوعاً أو بالرصاص
إلى قرني كذلك، وصل آدم عيسى بملابس تحمل آثار دماء ابنيه اللذين قتلا أثناء محاولة الفرار من الفاشر.
ويقول عيسى لـ"فرانس برس": "قُتل أبناي أمام عيني، 17 و21 عاماً" أثناء الخروج من الفاشر بعدما اّتهمهما مقاتلو الدعم السريع بالمشاركة في القتال إلى جانب الجيش.
وحين وصل إلى قرني الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع "رأوا دم ولديّ على ملابسي فحقّقوا معي واتّهموني بأنّني كنت أقاتل" مع الجيش.
وبعد رحلة شاقّة استمرّت أياماً "بلا طعام أو شراب"، وصل عيسى وعائلته إلى مدينة طويلة الواقعة على مسافة نحو 70 كيلومتراً غرب الفاشر.
لجأ إلى طويلة عشرات الآلاف من النازحين الذين فرّوا من الفاشر بعد حصار استمرّ أكثر من عام. يفترشون الارض في هذه المدينة وسقفهم السماء بلا أي مأوى أو رعاية صحية كافية.
وقال منسّق دارفور في منظّمة "أطباء بلا حدود" سلفان بينيكو "الناس مصدومون ... كل شخص هنا يبحث عن شخص ما".
وأضاف لـ"فرانس برس": "كثيرون ممن فرّوا إلى (طويلة) قالوا إنّه تم استهدافهم بسبب لون بشرتهم".
وقوّات الدعم السريع منبثقة من ميليشيات الجنجويد المتّهمة بارتكاب إبادة جماعية ومذابح إثنية في دارفور قبل عقدين. وتواجه بدورها اتّهامات بارتكاب جرائم وأعمال عنف خلال الحرب المستمرّة منذ أكثر من عامين.
"لا أعرف شيئاً عن ابني"
بالقرب من الفاشر وفي الطريق إلى قرني، أوقف مقاتلو الدعم السريع زهرة ضو البيت ونجليها (20 و16 عاماً)، وسارعوا الى احتجازهما رغم توسّلاتها أن يدعوهما وشأنهما.
في النهاية تركوا الابن الأصغر، "لكنّني لا أعرف شيئاً عن ابني الآخر محمد وما إذا كانوا قتلوه أو لا يزال على قيد الحياة".
وأفادت الأمم المتحدة الجمعة بأن عدد القتلى جراء هجوم الدعم السريع على الفاشر قد يناهز المئات، فيما تتّهم الحكومة التابعة للجيش قوّات الدعم السريع بقتل ألفي مدني.
من جانبه، أعرب قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الأربعاء عن أسفه لـ"الكارثة" التي تعرّض لها سكّان مدينة الفاشر متعهّداً المحاسبة.
وأصدرت قيادة الدعم السريع الخميس "أمراً قيادياً ينص على حماية المدنيين" وجّه بـ"السماح لجميع المدنيين بمغادرة مناطق الأعمال العدائية" بالإضافة إلى منع أعمال الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي.
ومن شأن سيطرة قوّات الدعم السريع على الفاشر أن تمنحها تحكّماً كاملاً في العواصم الخمس لإقليم دارفور، ما يعني تقسيم السودان فعليا إلى محور شرقي-غربي، مقابل سيطرة الجيش على شمال البلاد وشرقها ووسطها.
نبض