مع افتتاح المتحف المصري الكبير، تبرز قضية استرداد الكم الهائل من الآثار المصرية المهرّبة إلى الخارج، والتي دخلت دهاليز منظومة بالغة التعقيد، وثمة عقبات عدة لاستعادتها.

لا إحصائية موثوقة عن عدد تلك القطع،  وإنما مجرد تقديرات تقول إنها تناهز مليون قطعة، كيف لا والمتحف البريطاني يضم وحده 100 ألف منها، ومتحف بتري للآثار المصرية في لندن يحتوي 80 ألفاً، واللوفر 50 ألفاً، هذا بجانب متاحف في الولايات المتحدة ودول أخرى لديها عشرات الآلاف من القطع.

ومع أن القاهرة حققت نجاحاً غير مسبوق في استرداد آلاف القطع، خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أن ما استعيد، إلى الآن، يمثل نسبة صغيرة من إجمالي ما خرج.

إنجاز وصعوبات
ويقول كبير الأثريين في وزارة الآثار والسياحة المصرية الدكتور مجدي شاكر لـ"النهار" إنّ "القاهرة نجحت، خلال سنوات قليلة، في استرداد قرابة 31 ألف قطعة. هناك جهد كبير وغير مسبوق يبذل من الجهات المعنية".

النشاط اللافت الذي أولته الدولة لاستعادة آثارها المنهوبة، يتجسد في "اللجنة القومية لاسترداد القطع الأثرية". استأنفت اللجنة عملها وأعيد تشكيلها عام 2016، بعد سنوات من التوقف. وتضم في عضويتها ممثلين من الوزارات والجهات المعنية ويترأسها وزير الآثار.

يقوم متخصّصون من تلك اللجنة بمتابعة ورصد الآثار التي تظهر في قاعات المزادات، والمعارض، والمتاحف، ومواقع الإنترنت، وغيرهم، ويبدأون بالتحرك القانوني والدبلوماسي لاستردادها، لكن ثمة إشكالات كثيراً ما تواجههم.

في الإطار، يقول شاكر: "إذا كان لدينا أوراق تخصّ القطع المرصودة، فهذا يُيَسّر استردادها، لكن في كثير من الأحيان يكون المهرّبون محترفين، ويقومون باستخراج وثائق مزورة، وتُنقل من بلد إلى آخر، وتوجد بلدان تعرف بأنها معابر للآثار المهربة، تسهل فيها عملية تزوير الوثائق".

ويضيف: "هذا يجعل الجهات المعنية تبذل جهوداً مضاعفة، وتدخل أحياناً في دوامة من الإجراءات العابرة للدول. ومن المعضلات أيضاً، أن أغلب الآثار المسروقة، أو المهربة، يتم إخفاؤها لعشرات السنوات، أو تتداول في "الدارك ويب"، ما يصعب رصدها".

السر المحرك
تقف خلف عمليات تهريب الآثار منظومة بالغة التعقيد والسرية. ثمة عمليات تنقيب غير مشروعة، داخل الدولة، رغم إحكام الأمن قبضته وضبط الكثير من منفذيها. وسر استمرارية تلك الجرائم، إلى الآن، هو أنها تدرّ أرباحاً طائلة؛ كما أنّ ثمة فتاوى دينية تحلّل سرقة الآثار وتسمّيه "ركازاً"، وتعريفه هو "المال الذي دفنه أهل الجاهلية".

كذلك توجد عصابات لسرقة الآثار، ومن آخر السرقات التي أثارت ضجة كبيرة، قبل أسابيع، سرقة سوار ذهبي من المتحف المصري، واختفاء لوحة حجرية من مقبرة في منطقة سقارة بالجيزة.

تنتقل تلك القطع إلى يد عصابات متخصصة في التهريب، ثم إلى هواة اقتناء التحف التاريخية، لذا لا يعتقد شاكر أنّ السوار الذهبي الذي سُرق أخيراً صُهر كما قيل، فوزنه قرابة 37 غراماً من الذهب، ما يناهز 4 آلاف و800 دولار في أعلى تقدير، أما إذا نظرنا إلى قيمته كتحفة يعود تاريخها لأكثر من 3 آلاف عام، فهذا يرفع قيمته إلى عشرات أو مئات الملايين من الدولارات.

ويقول شاكر: "سرقة قطع محددة، يوضح لنا أنها مطلوبة بعينها من هواة أثرياء، بعضهم يريد قطعة فريدة يفخر بها، والبعض الآخر يؤمن بأسرار الطاقة في الأحجار الموجود بها، لذا يدفع مبالغ خيالية كي يمتلكها".

قسم بالمعرض 
بحسب تصريحات رسمية سابقة عام 2019، كان من المخطط أن يخصص قسم في المتحف المصري الكبير للآثار المستردة، لكن وفق الخريطة الحالية للمتحف والتي تضم 12 قسماً، ليس ثمة قسم كهذا.

ويرى كبير الأثريين أن هذا القسم مهم للغاية في لفت أنظار العالم، ويقول: "تخيل لو تم عرض قطعة تم استردادها، رواية قصتها كاملة، كيف سيكون أثر ذلك؟ لا بد أن هذا سيحدث تأثيراً عالمياً، ويساعد في تكوين رأي عام دولي يساعد في دعم هذه القضية العادلة".