"ابن الثّورة الذي لم يرثها"... "الجيل زد" رهان المعارضة في تونس؟
لم يعد "الجيل زد" بعيداً من النقاشات السياسية في تونس في الفترة الأخيرة. فتوازياً مع انتشار أخبار تحركاته بدايةً من مدغشقر مروراً بالنيبال وصولاً إلى المغرب، بدأ الحديث عنه في تونس في ظل مشهد سياسي متوتر تتواصل فيه حالة الشد والجذب بين السلطة والمعارضة بكل فئاتها.
وفي ظل احتدام التحركات البيئية الآتية من محافظة قابس الجنوبية، تطرق الرئيس قيس سعيد إلى ما يعرف بـ"الجيل زد "، مؤكداً في تعليقه على مسيرة حاشدة انتظمت بداية الأسبوع أن "هناك من يدّعي الانتماء إلى مجموعة زد"، يعمل على تأجيج الحراك.
وقال سعيد: "هناك من يدّعي الانتماء إلى مجموعة زد. لكن الشعب التونسي بوعيه الثابت وغير المسبوق ووقوفه مع قوات الأمن، هو السور المنيع الذي ستتكسر عليه كل محاولات تأجيج الأوضاع، ويلقن هؤلاء العملاء والخونة الدرس تلو الدرس والصفعة تلو الصفعة".
رسمياً، لا تحرك أو حراك يحمل هذه التسمية في تونس، ما عدا حساباً على "فايسبوك" يضم أكثر من 10 آلاف متابع، لا يعرف بعد من يقف وراءه، لكنه نشر بياناً رداً على تصريحات الرئيس سعيد مؤكداً مساندته تحرك قابس.
التفاتة المعارضة
منذ أن جمّد سعيّد البرلمان في تموز /يوليو 2021، وقفت المعارضة المشتتة بين جبهات متنافرة عاجزةً عن العودة إلى المشهد السياسي، وفي الفترة الأخيرة، بدأت أصوات بالالتفات نحو "الجيل زد" باعتباره "الطاقة المعطّلة" القادرة على إعادة الزخم إلى الشارع، خصوصاً مع بروز تحركاته في عدد من الدول ومن بينها المغرب.
وفي السياق، دعا الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي هذا الجيل إلى أن يسير على منوال "الجيل زد" في دول أخرى، قائلاً في منشور على حسابه على "فايسبوك": "وأنتم يا شباب ... ألم تروا ما فعله أندادكم في النيبال وسريلانكا وبنغلادش؟".

مغامرة غير مضمونة
في رأي عدد من المحللين، فإن رهان المعارضة على "الجيل زد" هو مغامرة غير مضمونة.
فهذا الجيل، برغم وعيه النقدي، يعيش في عالم خاص به، منفصل جزئياً عن مؤسسات الدولة والمعارضة على حد سواء، وفق ما يقول المحلل السياسي هشام الحاجي لـ"النهار"، ويرى أن "رهان الطبقة السياسية سلطةً ومعارضةً على هذا الجيل هو رهان يعكس مدى فشلها في فهمه".
ولعل ما يكسب "الجيل زد" في تونس خصوصية مختلفة عن غيره في دول أخرى هو أنه ابن الثورة، لكنه في المقابل ليس وارثها، فمواليده شكلوا أول جيل نشأ بعد ثورة 2011، في ظل انفتاح سياسي غير مسبوق، وفضاء رقمي متسارع، لكنهم بعد أكثر من عقد على الثورة، يعيشون إحباطاً عميقاً.
ومواليد "الجيل زد" في تونس نشأوا وترعرعوا في لحظة انفجار سياسي غير مسبوق في تاريخ البلد، حيث كانت الشوارع مفتوحة للنقاش والتعبير والتظاهر والاحتجاج، ولكن بعد أكثر من عقد، يرى هذا الجيل أن الديموقراطية لم تتحول إلى عدالة اجتماعية، وأن الحرية لم تُترجم إلى فرص في الواقع.
تقول نهى العربي (20 عاماً)، وهي طالبة برمجيات، لـ"النهار": "لا أنتمي إلى أي حزب سياسي، ولا أعتقد أن أياً من هذه الأحزاب يمثلني. لذلك لم أشارك في الانتخابات الأخيرة. أغلبنا يشعر بالإحباط من الواقع الذي نعيشه".
جيل الثورة
لكن هذا الجيل يختلف عن الأجيال التي سبقته وفق تقدير المختصين والخبراء، لكونه جيلاً رقمياً بامتياز، سريع الغضب والتنظيم. وبرغم أنه لا يؤمن ربما بالمسيرات والتحركات الاحتجاجية الميدانية، هو قادر على التعبير عن آرائه وتحريك الرأي العام بكبسة زر.
ويلفت الحاجي إلى أن مدخل هذا الجيل للحياة الواقعية هو الشاشات الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي "حيث يعبّر عن احتجاجه بالهاشتاغ أكثر من التظاهرات".
ويرى أنه "لا يعرف الخوف وعلاقته بالسلطة وحتى بالمعارضة مختلفة عن علاقة الأجيال السابقة"، إذ إنه "يرفض تلقي الأوامر الفوقية من أي جهة كانت، سلطةً أو معارضةً، لذلك لم يتفاعل مع دعوات المرزوقي مثلاً".
ويشدد على أن التفات بعض الأصوات المعارضة إلى هذا الجيل يدل على رغبة في التغطية على قصورها وعجزها.
رهان خاسر
يعتقد الحاجي أن الرهان على هذا الجيل لإحداث تغيير في المشهد السياسي هو رهان خاسر، فـ"التجربة أثبتت أنه لا يمكنه أن يؤثر في التوازنات السياسية"، مستحضراً ما حدث في المغرب في الأسابيع الأخيرة.
ويشير إلى أن اهتمام هذا الجيل بالسياسة ضعيف، وبالتالي فإن "المراهنة عليه لتغيير أي واقع سياسي غير صائبة لأنه لا يملك التجربة السياسية الكافية". ويذكّر الحاجي في هذا الصدد بما حدث في تونس في 2011 عندما كان الحديث عن ثورة باسم الشباب التف عليها "شيوخ السياسة" وفق وصفه.
في النهاية، في بلد يشيخ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ربما لا يكون "الجيل زد" هو المنقذ المنتظر للمعارضة التونسية، لكنه حتماً المرآة التي تعكس فشلها كونها تخاطب المستقبل بلغة الماضي.
نبض