جدل "العهدات" يعود... رجل بوتفليقة يُشعل السجال السياسي في الجزائر
أثارت تصريحات إعلامية لأحد وجوه نظام الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة جدلاً واسعاً في الجزائر، بعدما حرّكت ركوداً سياسياً يعكس حالة من الجمود المستمرة منذ فترة ليست بالقصيرة.
عبد العزيز بلخادم، رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام السابق لحزب "جبهة التحرير الوطني"، أكد أن تقييد العهدات (الفترات) في المجالس المنتخبة يُعدّ "إجحافاً في حق سيادة الشعب وحرية اختياره لممثليه".
وقال بلخادم، في مقابلة عبر "البودكاست" مع إحدى وسائل الإعلام المحلية، إنّ "التمثيل النيابي هو تعبير عن سيادة الشعب، وهو وحده من يقرر من يستمر في المسؤولية ومَن يُستبدل". وأشار إلى أنّ الناخب هو "صاحب الكلمة الأخيرة"، معرباً عن رفضه لما نصّ عليه دستور عام 2020 من تقييد للفترات البرلمانية بولايتين فقط.
ورغم أن تصريحاته اقتصرت على الحديث عن الترشح النيابي، إلا أن الجدل انساق سريعاً نحو مسألة الفترة الرئاسية المقيدة هي الأخرى بولايتين، وذلك قبل نحو أربع سنوات من انتهاء الولاية الثانية والأخيرة للرئيس الحالي عبد المجيد تبون.

ويؤكد متابعون أن التاريخ السياسي لبلخادم يذكّر الجزائريين بدوره في استمرار الرئيس بوتفليقة في الحكم لولايتين إضافيتين، ما زاد من حدّة الجدل.
وهو ما يذهب إليه أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر حمزة حسام، الذي يقول في حديث لـ"النهار" إنّ "بلخادم أراد التعبير عن موقف منسجم مع قناعاته القديمة التي تبناها عندما كان من أبرز المدافعين عن تعديل الدستور سنة 2008، وهو التعديل الذي مكّن بوتفليقة من البقاء في الحكم إلى أن أزاحه الحراك الشعبي في ربيع عام 2019".
ويضيف حسام: "هذا الطرح، وإن كان من الناحية النظرية لا يحمل جديداً، لأن عدم تقييد العهدات البرلمانية معمولٌ به في كثير من الديموقراطيات الراسخة، إلا أن السياق الجزائري يجعل من هذا الموقف حساساً أكثر من كونه نقاشاً سياسياً مؤسساتياً عادياً".
ويوضح حسام أن "التجربة الجزائرية مع ظاهرة التمديد في المناصب خلال العقود الثلاثة الماضية، خصوصاً في عهد الرئيس بوتفليقة، وما رافقها من انتقادات حادة تتعلق بضعف التداول داخل الهيئات المنتخبة، جعلت مطلب تحديد العهدات مطلباً شعبياً بالأساس، وهو ما انسجم معه دستور 2020".
ويلفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن "أيّ حديث عن مراجعة هذا التقييد، حتى وإن اقتصر على المجالس النيابية دون منصب رئيس الجمهورية، سيُقرأ بالضرورة قراءة سياسية ويُستقبل بحذر على ضوء التجارب السابقة"، مؤكداً أن "الظرف السياسي الوطني الراهن لا يزال يسعى لترسيخ ثقافة التداول وتجديد النخب السياسية".
تصريحات بلخادم أعادت فتح النقاش حيال أحد أكثر المواضيع حساسية في الساحة السياسية الجزائرية، كما ترى الإعلامية المتخصصة في الشأن السياسي حنان بوطيبة، التي قالت لـ"النهار" إنّ بلخادم "اختار إبراز جانب الخبرة والاستمرارية، مؤكداً أن الكفاءة يجب أن تكون المعيار الأول، لا عدد الولايات".
لكن في الوقت نفسه، تؤكد بوطيبة أن "رفع التقييد سيؤدي حتماً إلى بقاء الوجوه نفسها في مناصب المسؤولية لسنوات طويلة، كما حدث في عهد بوتفليقة (1999-2019)"، مشيرة إلى أن ذلك من شأنه "عرقلة تجديد الطبقة السياسية وإضعاف روح التنافس". وتضيف أن "الممارسة الديموقراطية الحقيقية لا تقوم فقط على حرية الترشح، بل أيضاً على ضمان التداول السلمي على السلطة".
وتخلص بوطيبة إلى أن "طرح بلخادم يحمل منطقاً مقبولاً من حيث المبدأ، لكنه يحتاج إلى توازن دقيق بين الاستمرارية والخبرة من جهة، وتجديد الدماء السياسية من جهة أخرى"، محذّرة من "تحوّله إلى وسيلة لاستغلال النفوذ في غياب الضمانات الديموقراطية الفعلية".
نبض