تجنباً لـ"سيناريوهات كارثية"… مصر تُكثّف اتصالاتها لاستئناف مفاوضات "النووي الإيراني"

تجري القاهرة اتصالات حثيثة في محاولة لاستئناف مفاوضات الملف النووي الإيراني، وسط مخاوف جدّية من تصعيد محتمل من جانب إسرائيل، ربما يتجاوز في حدّته "حرب الـ12 يوماً"، بحسب آراء محللين، رغم ما تبديه واشنطن حالياً من انفتاح على التفاوض مع طهران بشأن برنامجها النووي.
وكان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي قد أجرى سلسلة من الاتصالات مع كلٍّ من وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرّية رافاييل غروسي، ومبعوث الرئيس الأميركي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، بهدف العودة إلى طاولة التفاوض.
ويشير محللون إلى أن الإشكالية الرئيسية التي قد تعرقل العودة إلى التفاوض في الوقت الراهن هي فقدان الثقة بين إيران والدول الغربية، نتيجة الضربات العسكرية الأميركية التي تعرّضت لها الجمهورية الإسلامية إبّان الحرب مع إسرائيل في حزيران/ يونيو الماضي.
الحلّ ديبلوماسي
يرى نائب رئيس هيئة المحطّات النووية المصرية الأسبق الدكتور علي عبد النبي أن الاتجاه إلى الحلّ الديبلوماسي هو الأفضل، وأن القوة العسكرية قد تفضي إلى نتائج عكسية أو تقود إلى كارثة.
ويقول عبد النبي لـ"النهار" إن "إيران لديها الحق، كأي دولة، في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وبحسب تصريحات مسؤوليها، فإن برنامجها سلمي".
ويلفت إلى أن "طهران تمتلك حالياً التكنولوجيا والمعرفة لتصنيع قنبلة نووية، وربما صنعتها بالفعل، وأنا أميل إلى هذا الرأي، ولكنها لأسباب سياسية لا تعترف بذلك".
ويضيف: "الاستفزازات التي تعرّضت لها إيران من الدول الغربية دفعتها إلى رفع معدّلات تخصيب اليورانيوم من 20 بالمئة إلى 60 بالمئة، وشعورها بالتهديد أو تعرّضها للخطر قد يدفعها إلى الإعلان صراحةً عن امتلاك قنبلة نووية، وهنا سيضطر الغرب إلى التعامل معها كدولة تمتلك سلاحاً نووياً".
لذا، يعتقد الخبير المصري أن "الحلول الديبلوماسية أفضل كثيراً، فالتعامل مع إيران التي تستخدم الطاقة النووية سلمياً، أفضل من التعامل مع إيران تمتلك سلاحاً ًنووياً".
تبدّل الأهداف
من جانبه، يرى الباحث الأكاديمي المتخصّص في الشأن الإيراني أحمد فاروق أن الأولويات الحالية بالنسبة إلى الولايات المتحدة قد تغيّرت، ولم يعد الملف النووي الإيراني على رأسها.
ويقول فاروق لـ"النهار": "بعد الحرب، باتت القدرات الصاروخية لإيران هي الهدف الأهم بالنسبة إلى الأميركيين، وبعدها يأتي الملف الإقليمي، ثم الملف النووي. كذلك هناك جانب آخر، وهو هوية الجمهورية الإسلامية، وهذا البعد بدا حاضراً في الصراع بين إسرائيل وإيران بعد الحرب".
ويعرب عن اعتقاده أن "هناك حاجة إلى أرضية مشتركة بين واشنطن وطهران للتوصّل إلى حلّ، ومصر لديها قدرة على إيجاد هذه الأرضية، وهو ما تجلّى بوضوح في التوصّل إلى توقيع اتفاق بين طهران والوكالة الدولية في أيلول/ سبتمبر الماضي".
بناء الثقة
تقول الخبيرة في الشؤون الإيرانية الدكتورة شيماء المرسي لـ"النهار" إن "الإشكالية الحقيقية هي فقدان الإيرانيين ثقتهم بالغرب، وتعتقد طهران أن لا نية لدى الغربيين لرفع العقوبات عنها، اعتماداً على تجربتها معهم خلال السنوات الماضية".
وبحسب بيان للخارجية المصرية، فإن القاهرة ركّزت في اتصالاتها على هذه النقطة تحديداً، إذ اهتمّت بخفض التصعيد وبناء الثقة، وكذلك بتهيئة الظروف لإعادة المسار التفاوضي بين إيران والولايات المتحدة للتوصّل إلى اتفاق شامل حيال الملف النووي الإيراني يراعي مصالح جميع الأطراف، ويساهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين.
وترى المرسي أن "موقف طهران التفاوضي في الوقت الحالي بات أقوى من ذي قبل"، وتفسّر مكمن القوة بأن "الاتفاق النووي انتهى السبت، ومن ثمّ فهي حالياً ليس لديها سقف لبرنامجها النووي".
سيناريوهات أعنف
وأشار ضابط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق داني سيتريونوفيتش، في تصريحات إعلامية لبرنامج "Eye for Iran"، إلى أن إيران تعلّمت من الحرب الأخيرة، وتعمل بدأب على تطوير برنامجها الصاروخي.
وأضاف أن إسرائيل مهتمة بإضعاف طهران وتدمير قدراتها الصاروخية، وأن هذا قد يؤدّي إلى حرب أكثر ضراوة بين الطرفين.
لذا، فإن الجلوس على طاولة التفاوض مجدداً قد ينقذ الإقليم من حرب يصعب السيطرة عليها، وقد لا تستطيع واشنطن ذاتها إيقافها كما فعلت في حرب الـ12 يوماً، لأنه بحسب رأي سيتريونوفيتش، فإن إسرائيل وإيران سيكون كلٌّ منهما حريصاً على حسم الحرب لصالحه، وجعلها أداة لردع خصمه مستقبلاً.