تعديل النظام الانتخابي وعفو عام... مبادرة جديدة لتوحيد صفوف المعارضة في تونس
وسط استمرار حالة الاستقطاب الحاد بين التيار الداعم للرئيس التونسي قيس سعيّد، وبين المعارضة التي ترفض كل المسار الموالي لما بعد 25 يوليو/تموز 2021، أُعلن الأربعاء في تونس عن مبادرة جديدة لتوحيد المعارضة، تطرح العديد من الأسئلة حيال مدى قدرتها على تحقيق ما عجزت عنه مبادرات مماثلة في ظل تواصل تشتت صفوفها.
الالتزام الوطني
وأطلق عدد من الأحزاب والشخصيات السياسية في تونس مبادرة جديدة تحمل عنوان "الالتزام الوطني"، وقاد هذه المبادرة الحزب الدستوري الحر، الذي تقبع رئيسته عبير موسي، النائبة السابقة في البرلمان، منذ نحو عامين في السجن، وحركة حق، التي يرأسها السياسي عماد دغيج.
وشارك في هذه المبادرة عدد من الشخصيات السياسية المعروفة، ويقول أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، في تصريح لـ"النهار"، إن هذه المبادرة جاءت "بعد مشاورات معمقة بين عدد كبير من القوى السياسية"، مؤكداً أنها تأتي في "ظرف حساس" يمر به البلد ويستوجب توحيد الصفوف من أجل استعادة التضامن والعدل الاجتماعي.
بدوره يقول الرئيس التونسي الأسبق محمد الناصر، الذي كان حاضراً في المؤتمر الصحافي الخاص بالإعلان عن المبادرة، لـ"النهار"، إن تونس "بحاجة إلى الحوار والتوحد" أكثر من أي وقت مضى، مشدداً على أن قوة البلاد في وحدتها.
ويؤكد الناصر أن الحوار الوطني لا يجب أن يقتصر فقط على الأزمات، بل يجب أن يكون متواصلاً ومستمراً.
أهداف المبادرة
وملتزمةً باتباع جميع الوسائل السلمية لتحقيقها، قالت الأطراف الموقعة على هذه المبادرة إن من بين أهم أهدافها وضع منظومة دستورية وقانونية تؤسس لنظام حكم جمهوري مدني يقوم على مبدأ الفصل بين السلط والتوازن بينها ويمنع الاستبداد.
كذلك، أعلنت نيتها العمل على تعديل القانون الانتخابي، وأكدت أنها تهدف إلى تنقية المناخ السياسي عبر إصدار قانون عفو تشريعي عام لفائدة جميع السجناء من أجل العمل السياسي والمدني وسجناء الرأي، وإطلاق سراحهم وعودة المغتربين قسراً.
مناخ متوتر
وتأتي هذه المبادرة الجديدة من أجل تجميع المعارضة في ظل مناخ سياسي متوتر يتميز بتواصل حالة الاستقطاب بين السلطة ومعارضيها.
وفيما يمضي سعيّد في تنفيذ المسار السياسي الذي رسمه منذ عام 2021، يتواصل انحسار حضور المعارضة في الشارع التونسي بعد أن فقدت جزءاً كبيراً من تأثيرها الشعبي، متهمةً السلطة بالانفراد بالحكم والتضييق عليها.
ومنذ عام 2022 يخضع عدد من قيادات المعارضة لملاحقات قضائية عديدة من أجل تهم مختلفة، وصدرت أحكام قاسية بالسجن ضد البعض منهم، ومن بينهم نور الدين البحيري، القيادي في حركة النهضة، وجوهر بن مبارك، منسق حملة "مواطنون ضد الانقلاب".

أي حظوظ؟
وهذه ليست المبادرة السياسية الأولى التي يتم الإعلان عنها منذ إقرار التدابير الاستثنائية في تونس بغاية توحيد المعارضة، فقد سبق أن طرحت أحزاب سياسية أخرى مبادرات مماثلة في محاولة لجمع شتات المعارضين في مواجهة مشروع سعيّد، أو على الأقل بلورة بديل سياسي، لكنها جميعاً ظلت مجرد بيانات دون أفق عملي واضح.
ولا تحظى المبادرة الجديدة، كالمبادرات السابقة، بإجماع سياسي، خصوصاً أن الحزب الدستوري الحر، الذي يُوصف بأنه سليل حزب التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم في فترة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، هو من يقف وراءها.
ويرفض شق من المعارضة التعامل مع هذا الحزب بسبب ماضيه، فيما يرفض الحزب أي تواصل مع الإسلاميين في امتدادٍ للعداء التاريخي معهم.
ويُجمع المحللون على أن كثرة المبادرات السياسية ليست مؤشراً على تنوع أو حراك سياسي يعيشه البلد، بقدر ما هي انعكاس لحالة التشتت التي تعاني منها المعارضة رغم هدفها الموحد.
ولا يُتوقّع أن تُفرز المبادرة الجديدة تغييراً في المشهد السياسي في البلد، وفق المحلل السياسي والإعلامي إبراهيم الغربي، الذي يرجّح في تصريح لـ"النهار" أنها ستلقى المصير ذاته الذي لاقته المبادرات السابقة، ويوضح أن "التحدي الأكبر أمامها، ككل المبادرات السابقة، يكمن في غياب الثقة بين الفاعلين السياسيين".
ويزيد أن المعارضة لم تنجح تاريخياً في تونس في توحيد صفوفها ضد أي سلطة مهما كانت طبيعتها.
لكنه يشير، في المقابل، إلى رمزية مثل هذه المبادرات التي تثير اهتماماً إعلامياً وسياسياً محلياً ودولياً، وتعيد المشهد السياسي التونسي إلى الأضواء.
نبض