عشرات القُصّر المصريّين محتجزون في ليبيا... معاناة في السجون ورحلة عودة قاسية

علمت "النهار" أن عشرات القُصّر المصريين محتجزون في ليبيا ويعانون ظروفاً قاسية داخل أماكن احتجازهم، ما يفتح الباب مجدداً أمام تسليط الضوء على تردّي أوضاع مراكز احتجاز المهاجرين غير النظاميين في بلد تمزّقه الانقسامات والصراعات الأمنية.
وتحتجز سلطات الأمن في مدينة الزاوية الساحلية (غرب ليبيا) نحو 80 قاصراً مصرياً، بعد توقيفهم على دفعات ضمن قوافل للهجرة غير النظامية كانت تتجه نحو أوروبا عبر البحر المتوسّط، وفق ما يكشف مصدر أمني ليبي.
ويوضح المصدر أن القُصّر المصريين نُقلوا بدايةً إلى مركز احتجاز بئر الغنم، الذي يبعد نحو 50 كيلومتراً عن الزاوية والعاصمة طرابلس، قبل أن تُسلَّم المجموعة إلى السلطات المعنيّة بملف المهاجرين في جنوب ليبيا، التابعة لحكومة شرق البلاد، تمهيداً لإعادتهم إلى مصر عبر مدينة بنغازي (شرق ليبيا). ووصف المصدر هذه الرحلة بأنها "طويلة جداً ومليئة بالمخاطر".
ويقول الحقوقي المتخصّص في ملف المهاجرين طارق لملوم، لـ"النهار"، إن نقل هؤلاء القُصّر إلى الجنوب الليبي جاء "في محاولة من المسؤولين عن مركز بئر الغنم للتخلص من مسؤوليتهم بعد مناشدات أطلقها حقوقيون، خاصة أن المركز صدر قرار بإغلاقه عام 2021 لكنه ما زال يعمل حتى اليوم". ويضيف أن "القائمين عليه اتفقوا مع جهاز مكافحة الهجرة في شرق وجنوب ليبيا على تسلّم الأطفال في منطقة الشويرف (جنوب غرب البلاد)، ومن هناك يُنقلون إلى بنغازي تمهيداً لتسليمهم إلى السلطات المصرية"، مرجحاً أن السفارة المصرية "نسّقت هذا الإجراء".
ويشير لملوم إلى أن هذا "الإجراء غير مسبوق"، إذ "في العادة يعاد الموقوفون من غرب ليبيا عبر مطار طرابلس". ويصف مركز بئر الغنم بأنه "سيّئ السمعة، إذ يتكوّن من مجموعة هناجر وسط منطقة صحراوية، ويعاني المحتجزون فيه من سوء التغذية، حيث تُقدَّم لهم وجبتان فقط يومياً، وأحياناً وجبة واحدة، بينما يضطرّ بعضهم لتأمين غذائه على نفقته الخاصة".
ويلفت الحقوقي إلى صعوبة تقدير العدد الحقيقي للمصريين المحتجزين في ليبيا، "إذ لا تعلن الأجهزة الأمنية المعنية بأوضاع المهاجرين عن الأعداد إلا أثناء عمليات الترحيل"، مشيراً إلى أن "التقديرات المتاحة تشير إلى أن من نُقلوا إلى الجنوب الليبي نحو 45 قاصراً فقط"، فيما يُعتقد أن بعض التقارير "تخلط بين المفقودين في البحر منذ سنوات وبين المحتجزين فعلياً".
ويضيف أن "تدفقات المهاجرين المصريين إلى ليبيا لا تزال مستمرة، سواء عبر الحدود البرية أو عبر الرحلات الجوية إلى مطار طرابلس"، موضحاً أن "آخر دفعة تم اعتراضها في عرض البحر قبل عشرة أيام، وكان من بينهم مصريون نُقلوا إلى مدينة الزاوية".
وفي السياق، دقت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا ناقوس الخطر بشأن أوضاع الأطفال داخل السجون، مؤكدة في تقرير حديث أن "احتجاز القاصرين، حتى في حال ارتكابهم مخالفات، مؤشر خطير على انهيار منظومة العدالة والتربية". وأضافت: "بدلاً من أن تكون مؤسسات الدولة ملاذاً للحماية والتأهيل، تتحول السجون إلى بيئات قاسية تُفاقم المشكلة وتدمّر مستقبل هؤلاء الأطفال".
وأكدت المؤسسة أن "وضع القاصر في سجن للبالغين أو في بيئة عقابية يُعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الطفل الأساسية"، وطالبت بضرورة "توفير مراكز متخصصة لإصلاح وتأهيل الأحداث، بعيدة عن السجون العقابية".