أثارت قضية صدور حكم بالإعدام في تونس بسبب منشورات على موقع فايسبوك موجة صدمة واسعة في البلاد، بعد أن تبيّن أن سببها انتقادات وجّهها مواطن للرئيس قيس سعيّد عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
الحكم الذي أُلغِي بعد أيام من صدوره بتدخل مباشر من الرئيس سعيّد، فجّر جدلاً حادّاً في الأوساط السياسية والحقوقية والشعبية، وأعاد إلى الواجهة النقاش بشأن استسهال إصدار أحكام السجن في قضايا التعبير ومدى تناسب العقوبات مع طبيعة الأفعال، في وقت تتهم فيه المعارضة السلطة بـ"الضغط على القضاء".

تفاصيل القضية
المتهم في القضية، كما يكشف محاميه أسامة بوثلجة لـ"النهار"، هو صابر شوشان، عامل بسيط في العقد الخامس من عمره، اعتُقل في كانون الثاني/يناير 2024 بسبب منشورات على فايسبوك تنتقد الرئيس سعيّد.
ويوضح بوثلجة أن موكله "لم يكن ناشطاً سياسياً أو إعلامياً معروفاً، بل مجرد مواطن بسيط أعاد نشر تدوينات تنتقد الرئيس، على صفحة يتابعها عدد محدود جداً من الأشخاص، ولم تحظَ معظم منشوراته بأي تفاعل يُذكر".
غير أنّ القضاء، وفق المصدر نفسه، وجّه إليه تهماً بموجب المرسوم 54 والفصلين 72 و67 من المجلة الجزائية، تتعلق بـ"تهديد النظام العام" و"المسّ برئيس الدولة" و"العمل على تبديل هيئة الدولة"، قبل أن يصدر في الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر حكماً بالإعدام بحقه.

صابر شوشان، الذي صدر حكم إعدام بحقه بسبب انتقاده الرئيس سعيّد. (مواقع تواصل)

صدمة وغضب واسع
أحدث الحكم، رغم إلغائه لاحقاً بتدخل من الرئيس، صدمة كبيرة في الأوساط الحقوقية التي اعتبرته "سابقة خطيرة".
ففي بيان لها، وصفت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الحكم بأنه "سابقة تنذر بانزلاق غير مسبوق في مسار الحقوق والحريات"، فيما اعتبرت منظمة العفو الدولية أن "المرسوم 54 تحوّل إلى سلاح قانوني لتكميم الأفواه ومعاقبة المعارضين والمنتقدين".
ورغم أن تونس لم تنفّذ أحكام الإعدام منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، فإن منظمات حقوقية تواصل الدعوة إلى إلغائها بالكامل، خشية استخدامها مستقبلاً ضد المعارضين.
ويقول شكري لطيف، رئيس الائتلاف التونسي لإلغاء عقوبة الإعدام، في تصريح لـ"النهار": "عدم تنفيذ العقوبة حالياً لا يمنع أن تستغلها أي سلطة تصل إلى الحكم في المستقبل لتصفية معارضيها".

قوانين في قلب الجدل
أعاد الحكم الجدل حول المنظومة القانونية والقضائية في تونس، التي يصفها الحقوقيون بأنها "متآكلة" و"غير منسجمة مع الدستور"، خصوصاً المرسوم 54 الصادر عام 2022 المتعلق بجرائم النشر عبر الإنترنت.
ويقول المنتقدون إن المرسوم يحتوي على "نصوص فضفاضة" استُخدمت لملاحقة عشرات الصحافيين والنشطاء والسياسيين وحتى المواطنين العاديين.
ويؤكد بسام الطريفي، رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، في تصريح لـ"النهار"، أن الحكم "يتعارض مع المواثيق الدولية التي صادقت عليها تونس، ومع الدستور الذي يكفل حرية التعبير".
ويرى مراقبون أن إصدار حكم بالإعدام في قضية تتعلق بالرأي "سابقة مقلقة" قد تفتح الباب أمام مزيد من التشدد، ما لم تُراجع المنظومة القضائية التي ما زالت تتضمن نصوصاً تعود إلى عقود طويلة.
ويشير الطريفي إلى أن "الواقع الحالي يفرض مراجعة شاملة لمنظومتي العدالة والقضاء، بعد أن أصبحت العقوبات المشددة تصدر بسهولة مقلقة، خصوصاً في قضايا التعبير والرأي".

اختبار لاستقلالية القضاء
لم يتوقف الجدل عند حدود النقاش القانوني والحقوقي، بل امتد ليشمل مسألة استقلالية القضاء في تونس.
فقد نُقل القاضي الذي أصدر الحكم إلى محكمة أخرى، وفق ما كشف عدد من المحامين، وهو ما اعتبرته أصوات معارضة "محاولة لامتصاص الغضب الحقوقي والشعبي".
ولم تُصدر وزارة العدل أي تعليق رسمي على القضية، بينما اكتفت مصادر قريبة من السلطة بالقول إن "بعض الأطراف المحسوبة على المنظومة السابقة تسعى لتأجيج الرأي العام في إطار معركتها السياسية مع السلطة الحالية".
لكنّ المعارضة لا تزال تتهم الحكومة بالتدخل في القضاء، لا سيّما منذ قرارات تموز/ يوليو 2021 التي قضت بحلّ المجلس الأعلى للقضاء وإعادة تشكيله بمرسوم، في حين يؤكد سعيّد، في مناسبات متكررة، أن "القضاء في تونس مستقل ولا يخضع لأي ضغط".