تهجير الغزيين إلى ليبيا... رفض شعبي واسع ومخاوف من "صفقة"

ما إن تسربت معلومات عن خطط أميركية - إسرائيلية لتهجير جزء من سكان قطاع غزة إلى ليبيا، حتى تحولت القضية إلى كرة لهب يتقاذفها الفرقاء المحليون، وتُستَخدم لتبادل الاتهامات حول استغلالها كورقة تفاوض في إطار صفقات البقاء في الحكم.
ورغم أن السفارة الأميركية في ليبيا أكدت أن التقارير عن خطط لنقل سكان غزة إلى ليبيا "غير صحيحة"، فإن التسريبات لم تتوقف، بل استمرت الأحاديث عن وجود الملف على أجندة محادثات المسؤولين الأميركيين مع طرفي السلطة المنقسمة في ليبيا بين الشرق والغرب.
وبحسب الخطة الأميركية - الإسرائيلية المتداولة، فإنها تتحدث عن نقل نحو مليون فلسطيني من غزة إلى ليبيا التي يبلغ عدد سكانها نحو سبعة ملايين فقط، يعيش معظمهم على أرض شاسعة يغلب عليها الطابع الصحراوي. غير أن مصادر غربية مطلعة أكدت لـ"النهار" أن ما يتم تداوله "لا يعدو كونه مجرد أفكار في إطار البحث عن حلول لأزمة قطاع غزة، ولم يتطور إلى خطة عملية بعد"، مشيرة في الوقت ذاته إلى إدراك الإدارة الأميركية التحديات الكبيرة التي تواجه مثل هذه الأفكار، سواء على مستوى الرفض العربي المبدئي لتهجير الفلسطينيين، أو على صعيد الوضع الأمني والسياسي الهش في ليبيا. وأضافت المصادر أن "الدول الأوروبية ترفض بشدة تحويل الفلسطينيين إلى مشاريع مهاجرين غير شرعيين عبر السواحل الليبية".
ويوضح المحلل السياسي إسلام الحاجي، لـ"النهار"، أن "هناك بالفعل تسريبات عن خطة أميركية لتهجير الفلسطينيين وتوطينهم في ليبيا. ورغم نفي السفارة الأميركية، وكذلك طرفي السلطة، قيادة الجيش الوطني في الشرق وحكومة عبد الحميد الدبيبة في الغرب، إلا أنه لا دخان بلا نار. ما يتم تداوله قد يكون بداية لبلورة خطة تمهيداً لتنفيذها بعد انتهاء الحرب على غزة، في إطار ترتيبات إعادة تأهيل القطاع وإعماره".
ويرجّح الحاجي أن "تُعرض إغراءات واسعة على المتحكمين بالسلطة في ليبيا لتنفيذ المخطط، وربما يجري التهجير عبر طرق ملتوية وبشكل تدريجي، مثل توفير فرص عمل للفلسطينيين تحت غطاء شركات إعادة الإعمار"، مؤكداً أن "الأطراف الليبية المتصارعة على السلطة تبحث دائماً عن دعم دولي قوي للبقاء، وهو ما قد يتيح للولايات المتحدة ممارسة ضغوط لتمرير خططها المزعومة".
أما السياسي الليبي خالد الترجمان فيقول لـ"النهار": "من المؤسف أن بعض السياسيين الليبيين يتحدثون سراً وأحياناً علناً عن التطبيع مع إسرائيل، ويعولون على العلاقة معها، وبالتالي مع الولايات المتحدة، لضمان استمرارهم في الحكم". ويصف الترجمان تسريب هذه الأخبار بأنه "بالون اختبار" لقياس ردود الفعل إذا طُرح الملف بجدية، مشدداً على أن "الشعب الليبي قومي بطبعه، ويرفض بشدة المساس بحقوق الفلسطينيين التي يعتبرها من ثوابته الوطنية، ولن يقبل أي محاولة للمتاجرة بالقضية الفلسطينية".
من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور سليمان المزيني أنه "منذ هجوم حركة حماس المفاجئ في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما تبعه من حرب إسرائيلية وحشية على غزة، تسعى تل أبيب إلى إنهاء الوجود الفلسطيني في القطاع وتهجير من تبقى من سكانه إلى الخارج. وقد طُرحت ثلاث دول من بينها ليبيا كوجهة محتملة، لكن الفلسطينيين، رغم القتل والحصار والتجويع، ما زالوا صامدين ويرفضون ترك أرضهم".
ولا يستبعد المزيني، في تصريح لـ"النهار"، أن تتجاوب حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة مع مخطط استقبال الفلسطينيين في ليبيا مقابل الحصول على دعم الإدارة الأميركية لضمان استمرارها في السلطة، لكنه يتفق مع الترجمان في أن "الرهان يبقى على رفض الشعب الليبي لمثل هذه المشاريع التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية".