شمال إفريقيا 01-09-2025 | 07:14

قطع أثرية منهوبة لم تنج من آثار الحرب في السودان... ما مصيرها؟

لا يزال البحث جاريا عن ‏عشرات الآلاف من القطع الأثرية
قطع أثرية منهوبة لم تنج من آثار الحرب في السودان... ما مصيرها؟
صورة تظهر الدمار الذي لحق بالمتحف الوطني السوداني ‏بالخرطوم (أ ف ب)‏
Smaller Bigger

يقف التمثال الضخم للملك تهراقا الذي حكم مملكة كوش القديمة لأكثر ‏من عقدين، وحيدا في باحة متحف السودان القومي في الخرطوم بينما ‏تناثر حوله حطام تماثيل وزجاج صناديق العرض المهشّمة.‏


بعد عامين من إعلان نهب المتحف، لا يزال البحث جاريا عن ‏عشرات الآلاف من القطع الأثرية التي ظهر بعضها في دول مجاورة ‏مثل مصر وتشاد وجنوب السودان.‏


وتقول ممثلة النيابة العامة السودانية في لجنة حماية المتاحف والمواقع ‏الأثرية روضة إدريس "لم ينج من آثار المتحف القومي سوى الآثار ‏الكبيرة أو الثقيلة التي يصعب حملها".‏


في مدخل المتحف، تحوّلت الحديقة التي كانت تضمّ أشجارا نادرة ‏ونموذجا مصغّرا لنهر النيل إلى ساحة يملؤها العشب الجاف، محاطة ‏بتماثيل آلهة الحرب الكوشية، فيما يحمل السقف آثار قذائف.‏


ويقول المدير السابق لهيئة الآثار والمتاحف حاتم النور لوكالة ‏‏"فرانس برس"، إن المتحف القومي كان "يضمّ أكثر من 500 ألف ‏قطعة تغطي مساحة زمنية كبيرة جدا شكّلت التاريخ العميق للشخصية ‏السودانية".‏

 

 

نهبت المتحف في الأيام الأولى لحرب السودان (أ ف ب)‏
نهبت المتحف في الأيام الأولى لحرب السودان (أ ف ب)‏

 

 

في آذار/مارس، دخل موظفو قطاع الآثار المتحف للمرة الأولى منذ ‏عامين، بعد استعادة الجيش السيطرة على وسط العاصمة، وفوجئوا ‏بحجم الضرر الذي طال معروضات المتحف، وعلى رأسها "غرفة ‏الذهب" التي كانت تضمّ "مقتنيات لا تقدّر بالمال... قطعا من ذهب ‏خالص من عيار 24، عُمر بعضها نحو ثمانية آلاف عام"، وفق ‏مديرة المتاحف في هيئة الآثار السودانية إخلاص عبد اللطيف.‏

 

وتقول المسؤولة التي ترأس أيضا وحدة متابعة الآثار المسروقة، إن ‏هذه الغرفة "سُرقت عن بكرة أبيها".‏


وتشرح أن غرفة الذهب كانت تضمّ حليا تعود إلى أفراد في الأسر ‏الحاكمة "بعضها قطع فريدة جدا"، إلى جانب أدواتهم المذهّبة وتماثيل ‏مزخرفة بالمعدن الثمين.‏


ويعود كثير من تلك المقتنيات إلى حضارة كوش التي ازدهرت ‏بالتزامن مع الحضارة الرومانية على مدى آلاف السنين، واتخذت من ‏مدن نبتة (كريمة حاليا) ومروي في شمال السودان، مقارا لحكمها. ‏وهي موضع اهتمام كبير بين علماء الآثار الذين يجدونها لا تقلّ ثراء ‏عن الحضارة المصرية القديمة رغم كونها أقل شهرة.‏


كما ضمّ المتحف القومي في الخرطوم آلاف التماثيل الجنائزية ‏المصنوعة من الحجر أو البرونز وبعضها مشغول بالذهب أو ‏الأحجار الكريمة، وتعود إلى حضارات تعاقبت في السودان.‏

 

دمار كبير لحق بالمتحف الوطني السوداني بالخرطوم  (أ ف ‏ب)‏
دمار كبير لحق بالمتحف الوطني السوداني بالخرطوم (أ ف ‏ب)‏

 

 

فما هو مصير هذه الآثار؟

‏ عمليات سرية ‏
واندلعت الحرب بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان ‏وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو في ‏نيسان/أبريل 2023. وقسّمت المعارك الدامية البلاد وخلفت عشرات ‏آلاف القتلى وملايين النازحين.‏


وتتهم الحكومة السودانية التابعة للجيش قوات الدعم السريع بـ "تدمير ‏آثار ومقتنيات تؤرخ للحضارة السودانية الممتدة لسبعة آلاف عام"، ‏معتبرة ذلك "جريمة حرب"، وهي تُهم تنفيها قوات الدعم السريع.‏


وكانت عبد اللطيف أكّدت في تصريحات إعلامية في حزيران/يونيو ‏‏2023، أن الدعم السريع سيطر على المتحف القومي. وقالت لوسائل ‏إعلام محلية مطلع العام الحالي إن مقتنيات المتحف نُقلت بشاحنات ‏كبيرة عبر أم درمان إلى غرب السودان، ومن هناك إلى حدود دولة ‏جنوب السودان.‏


في نهاية العام الماضي، دعت منظمة الأمم المتحدة للثقافة (يونيسكو) ‏الجمهور إلى الامتناع عن الاتجار بالقطع الأثرية، مشدّدة على أهمية ‏ما كان يحتويه المتحف من "قطع أثرية هامة وتماثيل ذات قيمة ‏تاريخية ومادية كبيرة".‏


وقال مصدر مسؤول في هيئة الآثار السودانية لوكلة "فرانس برس" ‏إن السلطات تتعاون مع دول الجوار لرصد واستعادة الآثار التي يتم ‏تهريبها عبر الحدود.‏


وتقول عبد اللطيف إن التماثيل الجنائزية الكوشية تحديدا تلقى "رواجا ‏كبيرا في السوق غير الشرعي لأنها جميلة الشكل وصغيرة الحجم ‏يمكن حملها بسهولة".‏

لكن لم تظهر أي من مقتنيات غرفة الذهب أو التماثيل الجنائزية في ‏مزادات الآثار أو مسارات السوق الموازية حتى اليوم.‏


وتؤكد عبد اللطيف أن الحكومة السودانية بالتعاون مع الإنتربول ‏واليونيسكو تقوم "برصد كافة الأسواق"، إلا أنها تعتقد أن الجزء ‏الأكبر من عمليات تداول الآثار يتم بسرية وفي حدود ضيقة.‏



وأكد الإنتربول انخراطه في جهود اقتفاء الآثار السودانية المسروقة، ‏دون أن يعطي مزيدا من المعلومات حول العمليات.‏


وأفادت إدريس عن توقيف مجموعة أشخاص في ولاية نهر النيل في ‏شمال السودان "تضم أجانب وبحوزتها قطع أثرية"، مضيفة أن ‏‏"التحقيقات جارية لنعرف من أي متحف خرجت تلك الآثار".‏


وأفاد مصدران في هيئة الآثار السودانية بأن إحدى المجموعات التي ‏عبرت الحدود إلى مصر تواصلت مع الخرطوم بغية إعادة آثار ‏مسروقة مقابل مبالغ مالية.‏


‏110 ملايين دولار ‏
ولم تسلم المتاحف في مناطق الحرب الأخرى من النهب والتدمير، ‏بحسب إدريس التي تقول "تمّ نهب أكثر من 20 متحفا في السودان، ‏في الخرطوم والجزيرة ودارفور" منذ اندلعت الحرب.‏


وتضيف "ما زلنا نجهل حجم الضرر في المناطق التي لم يتمّ ‏تحريرها بعد".‏


وتقدّر الهيئة القومية للآثار والمتاحف الخسائر والأضرار التي أمكن ‏إحصاؤها "بـ 110 ملايين دولار أميركي"، وفق إدريس.‏

ويشير النور إلى "دمار في متاحف" أخرى مهمة.‏


في أم درمان، على ضفة النيل المقابلة للخرطوم، تحمل جدران ‏متحف بيت الخليفة آثار طلقات رصاص وقذائف مدفعية، بينما ‏تحطمت مقتنياته التي تعود إلى القرن الثامن عشر.‏


ويقول النور "تمّ أيضا تدمير متحف علي دينار في مدينة الفاشر، ‏وهو المتحف الأكبر في إقليم دارفور"، ومتحفي الجنينة ونيالا في ‏دارفور كذلك.‏


وشهد متحف نيالا في جنوب دارفور "قتالا شرسا" في محيطه، وفق ‏مصدر محلي، يتابع قائلا "أصبحت المنطقة مدمّرة تماما"، و"لا أحد ‏يستطيع التحرّك فيها باستثناء أفراد الدعم السريع".‏


وتقول عبد اللطيف إن المتحف أصبح "ثكنة عسكرية".‏

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".