بعضهم أكل علف الحيوانات... سكّان الفاشر السودانية بين الجوع والموت!

في مدينة الفاشر المحاصرة بإقليم دارفور غرب السودان، أخذت الحرب منحى عنيفاً في الأسابيع الأخيرة، بينما لا يجد السكان مفرّاً من الجوع والموت.
منذ أكثر من عام، تحاصر قوّات الدعم السريع الفاشر عاصمة شمال دارفور، وهي العاصمة الوحيدة في الإقليم الشاسع التي لا تزال تحت سيطرة الجيش، إلا أنّ شهود عيان وطواقم إغاثة يتحدّثون في الأسابيع الأخيرة عن هجمات للدعم السريع هي الأعنف منذ بدء الحرب.
ودخلت الحرب بين الجيش السوداني وقوّات الدعم السريع عامها الثالث وقد أودت بعشرات الآلاف وأجبرت الملايين على النزوح، فيما ينتشر الجوع في معظم أنحاء البلاد.
وأدّت الحرب إلى تقسيم السودان إلى مناطق نفوذ إذ يسيطر الجيش على شمال وشرق البلاد بينما تسيطر الدعم السريع على معظم إقليم دارفور في الغرب وأجزاء من الجنوب.
وعلى وقع انفجار القذائف المدفعية المستمر يعيش عشرات الآلاف في الفاشر بلا مأوى أو طعام كافٍ، بينما تنتشر عدوى الكوليرا في غياب المياه النظيفة والرعاية الصحية.
فقدت حليمة هاشم، أم لأربعة أطفال وتبلغ 37 عاماً، زوجها في قصف مدفعي العام الماضي "حين كان يحاول شراء مستلزمات البيت" حسبما أفادت وكالة "فرانس برس".
وقالت "بعد مقتل زوجي انتقلنا لمخيم زمزم (للنازحين في ضواحي الفاشر) لكن هاجمته الدعم السريع فرجعنا إلى الفاشر" مضيفة "الوضع صعب لكن الخروج (من الفاشر) خطر ومكلف ونحن لا نملك المال".
في الأشهر الأخيرة، كثّفت قوات الدعم السريع هجماتها على إقليم دارفور وكردفان بجنوب البلاد في محاولة لإيجاز توازن مع الجيش الذي أخرجها من العاصمة الخرطوم ومدن رئيسية أخرى في وسط البلاد.
ومنذ ذلك الحين تشهد الفاشر ومخيمات اللجوء المحيطة بها أعمال عنف متواصلة تستهدف أسواقاً وأحياء مدنية.
في نيسان/أبريل أودى قصف مدفعي عنيف على مخيم زمزم، أحد أكبر مخيّمات النازحين المحيطة بالفاشر، بالمئات وأدّى إلى فرار نحو نصف مليون من سكّانه انتهى بهم المطاف في شوارع الفاشر ومدن شمال دارفور.
وتحذّر منظّمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" من أن الفاشر أصبحت "بؤرة لمعاناة الأطفال".
ويقول محمد خميس دودة، عامل إغاثة نزح من مخيم زمزم إلى الفاشر في نيسان/أبريل إن المدينة تعاني من "المجاعة.. وكوارث أخرى".
وأوضح دودة لـ"فرانس برس" أن الأمراض منتشرة فيما لا توجد مياه نظيفة أو أدوية ما يؤثّر بشكل خاص على المصابين بالشظايا أو طلقات الرصاص.
وشدّد على "أنّنا نحن نرسل صوتنا لكل الجهات.. للتدخّل الفوري لاحتواء أزمة انتهاك حقوق الإنسان بشكل صارخ وإجبار المقاتلين من الطرفين" على وقف الحرب "وإنقاذ من تبقى".
طريق تملأها الجثث
بينما تحاصر الحرب مئات الآلاف داخل الفاشر، يقول من حاولوا الفرار للمدن المحيطة بأن الطريق تملأها الجثث.
وبفعل الحصار والهجمات العنيفة، لا تدخل المساعدات إلى المدينة التي لم تشهد حركة تجارية منذ أشهر، بينما انقطعت عنها الاتصالات ما يجعل الحصول على صور عن الحياة اليومية تحدّياً كبيراً.
ويفيد السكّان بأن تصوير أماكن معينة قد يعرّضهم للهجمات.
وتوضح لقطات نادرة حصلت عليها "فرانس برس" مجموعات من 5 أو 6 أشخاص يتشاركون طبقاً واحداً في تكية (مطبخ جماعي) يملأها الدخان فيما يبدو عليهم الهزال.
بالقرب منهم تستخدم نساء عصيا خشبية لتقليب معجون بني ثقيل يغلي في قدور وضعت على مواقد من جذوع الشجر، بينما ينخل الرجال مسحوقاً من دقيق الدخن والذرة إذا توافر، ويستبدلونه بعلف حيواني في كثير من الأيام.
يخيّم على المشهد صمت ثقيل لا يقطعه إلا أصوات طلقات الرصاص.
وفي الآونة الأخيرة باتت تقدّم التكايا وجبة مجانية واحدة في اليوم بدلاً من اثنتين في ظل نقص المواد الغذائية.
الأسبوع الجاري، توفّت أم وأطفالها الثلاثة وجدّتاهما بعدما تغذّوا لأسابيع على العلف الحيواني، بحسب متطوّعين إغاثيين.
وأعلنت الأمم المتحدة المجاعة في مخيمي زمزم وأبو شوك بالقرب من الفاشر، محذّرة من أن 40 بالمئة من الأطفال يعانون من سوء التغذية الحاد أو سوء التغذية الحاد الشديد.
وقال آدم عيسى أحد المتطوّعين المحليين لـ"فرانس برس" إنّه خلال الشهر الجاري، بلغ معدّل وفيات الأطفال في مخيم أبو شوك وحده 5أطفال يومياً.
يأخذ إبراهيم عيسى، 47 عاماً، وزوجته أطفالهما الستة إلى التكية "حينما تكون الأوضاع هادئة لنتناول الوجبة ثم تعود زوجتي للمنزل مع الأطفال وأذهب أنا لإحضار المياه".
ويقول لـ"فرانس برس": "أما في حالة القصف فنظل بالمنزل وندخل الخندق الذي حفرناه قبل تسعة أشهر".
الأمن أو الطعام
خلال عشرة أيام فقط في آب/أغسطس الجاري قتلت الهجمات العنيفة 89 شخصاً على الأقل في الفاشر ومخيم أبو شوك، بحسب الأمم المتحدة.
واستهدفت هجمات الدعم السريع كذلك مطار الفاشر وأحياء سكنية ومقرّاً للشرطة المحلية.
في محاولة للنجاة، يتّجه كثر غرباً إلى مدينة طويلة على بعد حوالى 70 كيلومتراً، إلّا أن بعضهم يفقد حياته من الجوع والعطش على الطريق، وفقاً لمتطوّعين محليين.
ويفيد مراسل "فرانس برس" في طويلة بأن معظم النازحين إليها يعانون من الصدمة والإرهاق بالإضافة إلى إصابة كثر بطلقات الرصاص.
حاول إبراهيم عيسى بالفعل الفرار من الفاشر مع عائلته في أيار/مايو ولكن منعتهم الاشتباكات العنيفة.
أمّا صالح عيسى، 42 عاماً، فمشى مع عائلته لثلاثة أيام حتى وصلوا الى طويلة.
ويقول لـ"فرانس برس": "كنا نسير في الليل لتفادي نقاط التفتيش، ونقضي النهار في ظل شجرة، وبعد ثلاثة أيام بلغنا طويلة".
الوضع في طويلة "أمان. لا يوجد قصف" بحسب عيسى، ولكن "الحصول على الأكل والمياه صعب".