مرحلة انتقاليّة بلا ضمانات: إحباط في ليبيا من خطّة تيتيه
بعد فترة من الترقب وتصاعد التطلعات بحل سياسي لأزمة طال أمدها، كشفت الموفدة الأممية هانا تيتيه، مساء الخميس أمام مجلس الأمن، عن ملامح خطتها لمرحلة انتقالية جديدة، أصابت الأوساط الليبية بحالة من خيبة الأمل.
فالخطة التي تشمل مراحل متتالية وتمتد إلى 18 شهراً حداً أقصى، بدت غامضة في بعض تفاصيلها، إذ تبدأ بمهلة مدتها شهران سيكون على مجلسي النواب والأعلى للدولة (السلطة التشريعية المفترضة) خلالهما التوافق على إعادة تشكيل مجلس المفوضية العليا للانتخابات لضمان استقلاليته، وكذلك تمرير القوانين الانتخابية المعطلة على مدى ثلاث سنوات.
لكن تيتيه لم توضح آلية حصول ذلك في ظل الهوة العميقة بين رئيسي المجلسين: عقيلة صالح ومحمد تكالة، كما لم تقدّم ضمانات لإنجاح هذا المسار أو بدائل فشله، وإن لوّحت بإمكانية إبعاد المجلسين واللجوء إلى "حوار شامل".
وفي أعقاب الانتهاء من المرحلة الأولى، تأتي الخطوة الثانية بـ"فتح حوار موسع لتشكيل حكومة جديدة وتوحيد المؤسسات الليبية وتحقيق مصالحة، بما يمهد لإجراء الاستحقاقين الرئاسي والنيابي في النهاية"، وفق ما أوضحت الموفدة الأممية، لكنها أيضاً لم تكشف تفاصيل هذا المسار المعقد والمتشابك، وأدواته لإجبار الحكومتين المتنازعتين على تسليم السلطة، كما لم تشر إلى الوضع الأمني المتردي، وهو ما عكسه هجوم صاروخي فاشل استهدف مقر البعثة الأممية أثناء إلقائها إحاطتها أمام مجلس الأمن، واكتفت بالتنديد بالتصعيد والتحذير من احتمالات متصاعدة للصدام.
وخلال جلسة مجلس الأمن، لم يُلحظ تماسك المجتمع الدولي خلف خطة تيتيه، رغم اختفاء الملاسنات المعتادة بين واشنطن وموسكو. واكتفت الموفدة الأممية بحض الدول الأعضاء على الضغط على الأطراف المحلية لعدم عرقلة المسار الجديد، كما لوحت بإمكانية اللجوء إلى مجلس الأمن وفرض عقوبات على المعرقلين.

ويرى السياسي الليبي المقيم في لندن رمضان هلالة، في حديث مع "النهار"، أن إحاطة تيتيه "تحمل قدراً من الغموض، فمن الممكن أن تُؤخذ بإيجابية كونها جاءت بعد ظهور ملامح اتفاق على معالجة الإشكاليات التي تُعرقل تمرير القوانين المنظمة للانتخابات بعد تحركات مارستها البعثة الأممية خلال الأسابيع الماضية، وبالتالي فإن هذا الملف لن يبدأ من الصفر".
ويضيف هلالة: "ربما تسعى الموفدة الأممية إلى إحراج مجلسي النواب والأعلى للدولة وحشرهما في الزاوية للتوافق على تمرير القوانين الانتخابية وتشكيل حكومة موحدة، وإذا لم يحدث ذلك في ظل عمق الخلاف بين المجلسين، فإنها ستجد المبرر بعد انتهاء المهلة لإبعادهما عن المشهد وتشكيل لجنة حوار سياسي موسع ومنحها الشرعية الدولية". لكنه يشير إلى "تفسيرات سلبية أخرى كون الخطة الأممية تُكرس سلطة المجلسين وشرعيتهما في إدارة العملية السياسية لمدة 18 شهراً، رغم رفض قطاعات واسعة في ليبيا طرح إعادة تشكيل مجلس مفوضية الانتخابات ملفاً معقداً تحيطه إشكاليات قانونية وأحكام قضائية ولا يمكن التفاهم بشأنه".
ويضيف هلالة أن تيتيه بررت عدم لجوئها إلى تشكيل لجنة حوار سياسي كونه مساراً يحتاج إلى وقت ومن شأنه إطالة أمد الأزمة، لكن "الأعقد من ذلك إيجاد صيغة توافق بين النواب والأعلى للدولة، لأن الخلاف بينهما عميق جداً، وبالتالي هناك فترة زمنية ضائعة".
أما المحلل السياسي محمد محفوظ، فيؤمن بأن خريطة الطريق "حققت الحد الأدنى المطلوب".
ويقول في حديث مع "النهار": "صحيح أن رئيسي النواب والأعلى للدولة في صدام، لكن يجب الوضع في الاعتبار أن المعضلة ليست محلية فقط، فالمسار الذي أعلنته تيتيه يحمل محاولة لإرضاء القوى الدولية التي رفضت إبعاد المؤسسات القائمة، واللجوء إلى مسار حوار سياسي أشمل، كالذي حصل في جنيف وبرلين، باعتباره غير مضمون النتائج ويصعب التحكم في مخرجاته، وبالتالي هناك فرصة لهذه الدول للضغط على المجلسين كي يتوافقا، أو سيكون عليها عدم عرقلة اللجوء إلى خيار تشكيل لجنة حوار سياسي".
ويضيف محفوظ أنه "في حال إنجاز ملف القوانين الانتخابية خلال الشهرين، ستكون الأرضية مهيأة لتشكيل الحكومة الجديدة، والظروف مناسبة على الصعيدين المحلي والدولي، ولن يكون هناك حجة لمن يعرقل تشكيل حكومة باعتبارها خطوة آخيرة لإنجاز العملية الانتخابية".
وفي المقابل، يقول المحلل السياسي عمر أبو سعيده لـ"النهار": "حسب المتابعة لمسار عمل الأمم المتحدة وتجاربها الممتدة لأكثر من 74 عاماً في إدارة الأزمات السياسية، يتضح أنها تُدير الأزمة الليبية ولا تسعى لحل جذري، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال المواقف التي تلت الإحاطة، خصوصاً كلمة مندوبة الولايات المتحدة التي اكتفت بدعم جهود البعثة دون تقديم رؤية عملية".
ويرى أبو سعيده أن خريطة الطريق "أتاحت الفرصة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة للاستمرار في السلطة بما يخدم هدفه في السيطرة على العاصمة وتعزيز موقعه التفاوضي، كما منحت مساحة لمجلس النواب للعمل في مسار موازٍ لتشكيل حكومة جديدة"، محذراً من أن التركيز على تشكيل مفوضية انتخابات يفتح صراعاً جديداً حول من يملك حق تعيينها وشرعيتها. ويضيف أن تيتيه "لم تحدد الجهة التي ستتولى تشكيل الحكومة الجديدة، سواء عن طريق مجلسي النواب والدولة أم جهة أخرى، واكتفت بالحديث عن حوار يشارك فيه الجميع، وهي صياغات فضفاضة لا تحمل التزامات واضحة"، مؤكداً أن "غياب العقوبات الرادعة ضد المعرقلين يشجع على استمرار العبث السياسي".
وبالمثل، يشدد رئيس تجمع الأحزاب الليبية الدكتور فتحي الشبلي على أن "أي خطة لحل سياسي لا يتم ضبطها بمدد زمنية محددة لكل مرحلة تُعتبر إضاعة للوقت، تيتيه تحاشت الالتزام بمدد زمنية، وتحدثت عن ضرورة تشكيل حكومة جديدة لتهيئة البلاد للانتخابات، رغم التحديات التي تواجه هذا الملف، فالمؤسسات القائمة لن تتوافق على تشكيل هذه الحكومة، فيما خرج الدبيبة ليرحب بالخطة لكنه اشترط الذهاب إلى الانتخابات مباشرةً وأنه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة. إذاً كيف سيتم إنتاج هذه الحكومة في ظل هذا الوضع المأزوم؟".
ويقول الشبلي لـ"النهار": "نعتقد أن تيتيه تمضي في السيناريو نفسه بإدخال الليبيين في مراحل انتقالية متتالية لن تصل إلى حل، وهو ما حذرنا منه في مناسبات عدة، كون المجتمع الدولي غير جاهز الآن"، لافتاً إلى أنه "إذا كان المجتمع الدولي جاداً في حل المعضلة الليبية، لكان مجلس الأمن أصدر قراراً بسحب الشرعية الدولية عن المؤسسات القائمة، وقراراً آخر باعتماد خطة تيتيه كبديل يحظى بالشرعية الدولية".
نبض