الانتخابات البلدية تُكرّس العقدة الليبية… ما الذي ينتظر خطة تيتيه للحلّ السياسي؟
كرّس الاستحقاق البلدي، الذي جرت مرحلته الثانية في ليبيا السبت الماضي، عمق الأزمة السياسية والأمنية في البلاد، والتحديات الضخمة التي تنتظر الخطة الأممية للحل، المتوقع الكشف عن تفاصيلها نهاية الأسبوع.
فالدعم الدولي للاقتراع، الذي كان مقرراً إجراؤه في 63 بلدية، لم يحُل دون تعطيل العملية في نحو ثلثي الدوائر، لأسباب لوجستية وأخرى أمنية. وقد سبقته وتخللته اعتداءات على مقارّ انتخابية، فيما أُثيرت اتهامات باستخدام المال السياسي من قبل المتحكمين في السلطة لدفع حلفائهم إلى مقاعد المجالس البلدية. وأعاد ذلك فتح التساؤلات بشأن إمكان إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، أكثر تعقيداً وتنافساً، في ظلّ هذا الوضع.
ورغم إعلان المفوّضية العليا للانتخابات نجاحها في تمرير الاقتراع البلدي من دون خروقات، مشيرة إلى مشاركة 161 ألفاً و684 ناخباً بنسبة 71%، يؤكد الباحث الليبي المتخصّص في شؤون الانتخابات مصطفى الفرجاني أنّ العملية واجهت صعوبات كبيرة.
ويقول الفرجاني، لـ"النهار"، إن الانتخابات جرت في 26 بلدية فقط، بينما عُلّقت في 30 أخرى، أبرزها بنغازي وسرت (شرق ليبيا) والكفرة (جنوباً)، بسبب قيود فرضتها الحكومة "الموازية" على تسجيل الناخبين. كذلك أُجّل الاقتراع إلى السبت المقبل في 7 بلديات أخرى، بينها زليتن والزاوية والعجيلات (غرب ليبيا)، لدواعٍ أمنية بعد الاعتداء على مقارّ المفوضية وحرق مخازنها.
ويضيف الفرجاني، وهو مسؤول في منظمة الإعلام المستقل، أنه "رغم عدم إعلان المفوضية رصدها توظيف المال السياسي، يرصد المتابع اتهامات متبادلة باستخدام بعض القوائم الانتخابية للرشى بهدف الفوز بمقاعد البلديات ذات التأثير السياسي والاقتصادي. ورُصد انتشار واسع للأخبار الزائفة والمضللة في الفضاء الرقمي وحتى في وسائل الإعلام".

لكن المحلل السياسي حمد عز الدين ينفي تدخل الحكومة المسيطرة على شرق ليبيا وجنوبها، برئاسة أسامة حماد، في تعطيل المرحلة الثانية من الاستحقاق البلدي، مؤكداً لـ"النهار" أن وقف الاقتراع جاء "لأسباب لوجستية وتنظيمية من قبل المفوضية، التي ستعلن موعداً لاحقاً للاقتراع بعد استكمال الإجراءات".
ويضيف عز الدين: "المرحلة الأولى، أواخر العام الماضي، جرت بنجاح في دوائر شرق ليبيا وجنوبها، بينما شهدت المرحلة الثانية انتهاكات عديدة وتدخلاً مباشراً من قادة الميليشيات. ورغم أن مهمّة البلديات خدمية بالأساس، تأثرت الانتخابات بالصراع السياسي وجرى توظيفها".
وقد جرى الاستحقاق البلدي على مرحلتين، بنظام مختلط؛ إذ يُنتخب نحو ثلثي المقاعد عبر قوائم مغلقة تضمن تمثيل النساء وذوي الإعاقة، بينما الثلث الآخر بالنظام الفردي. ويلفت الفرجاني إلى أن "الحضور الحزبي كان محدوداً ولم يشهد تقدماً في المرحلة الثانية مقارنة بالأولى، بل ظل تأثير العائلات والقبائل أكبر، مع مؤشرات على حضور قويّ للتيار الإسلامي في دفع مرشحيه ببلديات كبيرة في طرابلس. أما الأحزاب فلا يزال دورها ضعيفاً وهي غير قادرة على تسويق نفسها في الشارع".
ورغم استبعاده أن تؤثر نتائج البلديات على خريطة الطريق التي تعدّها البعثة الأممية، يرى الفرجاني أنها قد يُنظر إليها كمؤشر سلبي فقط، مشدداً على أن "مفوضية الانتخابات ستواجه صعوبات كبيرة إذا جرت الانتخابات التشريعية والرئاسية، لكن إصرار الشعب الليبي على الخروج من النفق المظلم يمنح مؤشراً إيجابياً على إمكانية تجاوز هذه التحديات".
أما الناطق باسم "حزب صوت الشعب"، الأكاديمي الليبي عبد السلام القريتلي، فيدافع عن التجربة الحزبية التي فُعّلت قبل ثلاث سنوات فقط بعد عقود من الغياب، لكنه ينتقد المتنافسين على المقاعد البلدية "الذين يجهل كثير منهم الدور المفترض للمجالس البلدية وصلاحياتها، فيما طغى الصراع على المناصب والغنائم".
ويضيف القريتلي لـ"النهار": "كيف يمكن إجراء انتخابات تُدار بحكومتين متنافستين؟ لا يمكن تحقيق انتخابات شفافة ونزيهة في ظل الانقسام وعدم الاستقرار".
ويتفق القريتلي مع الفرجاني في أن نتائج البلديات لن تؤثر على الخطة الأممية التي ستعلنها الموفدة حنا تيتيه أمام مجلس الأمن، متوقعاً أن تتضمّن "تشكيل حكومة موحّدة تُنفذ برعاية ودعم من مجلس الأمن الدولي".
نبض