هل دقّت ساعة المواجهة المؤجلة بين اتحاد الشغل والسلطة في تونس؟

رغم أن الطرفين تجنبا لفترة طويلة الدخول في صدام مباشر، يبدو أن اتحاد الشغل التونسي والرئيس قيس سعيّد سيكونان في مواجهة مفتوحة على العديد من الاحتمالات خلال الفترة المقبلة. وفي الأيام الأخيرة تصاعد التوتر بين الاتحاد الذي يحشد صفوفه للعودة إلى الشارع، والسلطة التي لا تُخفي نيتها تحجيم دوره عبر اتخاذ قرارات قد تؤثر على مستقبله.
قرارات تصعيدية
وفي آخر تصعيد ضد اتحاد الشغل، أقوى منظمة نقابية في البلد، أصدرت رئاسة الحكومة قرارات بشأن التفرغ النقابي والاقتطاع المباشر من أجور العمال والموظفين. وفي مرسوم صدر الأسبوع الماضي، أعلنت رئاسة الحكومة إلغاء التفرغ النقابي، متوعدة بملاحقة المخالفين. والتفرغ النقابي هو امتياز يُمنح للنقابيين يمكّنهم من التفرغ للنشاط النقابي مع الاحتفاظ بأجورهم.
أما الاقتطاع الآلي، فهو مبلغ مالي رمزي يُقتطع آلياً كل شهر من رواتب جميع الموظفين والعمال في القطاعين الحكومي والخاص، ويحوّل مباشرة إلى حساب الاتحاد.
وفي لقاء حديث جمعه برئيسة حكومته، قال سعيّد: "لا مجال للتراجع عن المحاسبة، ولا تردد في استرجاع أي مبلغ من حق الشعب، ولا مجال لأن يحل أحد محل الدولة، لا في الانخراط غير الإرادي ولا في التمويل غير الطوعي".
وأثارت تصريحات سعيّد جدلاً واسعاً، حيث اعتبرها عدد من المراقبين "ضوءاً أخضرَ" لوقف الاقتطاع الآلي لفائدة الاتحاد، أحد مصادر تمويله الرئيسية، ما من شأنه، وفق تقديراتهم، أن "يخنقه مادياً".
وتأتي هذه التطورات في وقت أعلن فيه اتحاد الشغل عن تحرك نقابي كبير في 21 آب/أغسطس الجاري، قد يليه إقرار الإضراب العام وفق ما يشكف الناطق الرسمي سامي الطاهري لـ"النهار"، احتجاجاً على الاعتداء على مقر المنظمة النقابية قبل أيام.
وكان متظاهرون قد قدموا أنفسهم على أنهم مناصرون لسعيّد قد هاجموا الجمعة الماضية مقر الاتحاد بوسط العاصمة تونس، مطالبين بحله وتجميد نشاطه. وكشف كمال الهرابي، الكاتب العام الوطني لحراك 25 يوليو، أن التحرك طالب بمحاسبة قيادات الاتحاد المتورطة بشبهات فساد. لكن الطاهري شدد على أن "من يتهم قيادات الاتحاد بالفساد عليه التوجه إلى القضاء"، مؤكداً أن الهدف من هذه التحركات "ضرب مصداقية المنظمة وتشويهها".
معركة قديمة ومتواصلة
المواجهة بين اتحاد الشغل والسلطة ليست جديدة؛ فقد شهدت تونس منذ استقلالها العديد من الجولات، بداية من فترة حكم الرئيس الحبيب بورقيبة، مروراً بفترة حكم بن علي، وصولاً إلى حكومات ما بعد 2011. ويقول الطاهري إن "استهداف المنظمة ليس جديداً، بل هو سياسة انتهجتها مختلف الحكومات بعد الثورة، عبر محاولات الاختراق أو الاستقطاب أو التجريم".
لكن الظروف هذه المرة تختلف وفق المحلل السياسي إبراهيم الغربي، الذي يوضح، لـ"النهار"، أن الاتحاد فقد بعض تعاطف الشارع بسبب الاتهامات الموجهة له بإغراق البلد في المطلبية المفرطة، مقابل تبني سعيّد جزءاً كبيراً من هذه المطالب، وغرق الاتحاد في خلافاته الداخلية التي أثرت على صورته أمام الرأي العام.
بين مناصرة التدابير الاستثنائية ومعارضتها
تعتبر أصوات معارضة أن الاتحاد يدفع ثمن تراجعه عن دوره منذ 2011 كعنصر معدل للمشهد السياسي، متهمة قياداته بضبابية الموقف من الأحداث الاستثنائية التي أقرها الرئيس سعيّد في 2021، معتبرة أنه "فضّل النأي بنفسه لتجنب الصدام".
وكان الاتحاد في البداية من المناصرين لهذه القرارات، لكنه عاد لمعارضتها بعدما سُدّت كل قنوات الحوار مع السلطة، وهو ما دفعها، وفق أنصاره، إلى "السعي لتحجيم دوره، إما بحله أو تجميده".
توظيف سياسي
ويُحذّر مراقبون من عواقب الصدام بين السلطة والاتحاد، معتبرين أن الحديث عن حلّه أو تجميد نشاطه سيكون له تداعيات كبيرة على السلم الاجتماعي. لكن المحلل السياسي خليل رقيق يؤكد لـ"النهار"، أن السلطة قررت التصعيد لبعث رسائل للاتحاد مفادها عدم رضوخها لضغطه، مع احتمال وجود نية لإنهاء وجوده، مشيراً إلى أن بعض الأطراف تسعى لإذكاء نار الحرب بين الطرفين "من أجل توظيفها في معركتها السياسية".