قافلة "الصّمود" من تونس إلى غزة... بين الدّعم الشعبي والتّحذير من التّوظيف السّياسي

بعد ساعات من انطلاقها من تونس، وصلت "قافلة الصمود" لكسر الحصار عن غزة إلى الأراضي الليبية، الثلثاء، متجهة نحو مصر، في انتظار بلوغها منطقة العريش ومعبر رفح، كما أكد القائمون على تنظيمها.
وقد أثارت القافلة جدلاً واسعاً داخل تونس وخارجها، نظراً لحجمها غير المسبوق، وأهدافها السياسية والإنسانية، وما يمكن أن تثيره من تداعيات إقليمية ودولية.
وانطلقت القافلة بمشاركة نحو 1700 ناشط من تونس ودول المغرب العربي، بهدف كسر الحصار المفروض على قطاع غزة عبر معبر رفح، وضمّت عشرات الحافلات والسيارات. وتشارك في القافلة وفود من الجزائر وليبيا، ما يضفي عليها طابعاً مغاربياً لافتاً.
وتُعد هذه المبادرة "الأولى من نوعها على مستوى الدول العربية"، وتأتي ضمن تحركات عالمية تشمل آلاف المتضامنين من 32 دولة، في محاولة لكسر الحصار على أكثر من مليوني فلسطيني، يعانون أوضاعاً إنسانية مأساوية، وفق ما يؤكد المتحدث الإعلامي باسم القافلة ياسين القايدي لـ"النهار"، مضيفاً أنّ "هذه المبادرة تعبّر عن ردة فعل شعبية تونسية تلقائية تجاه ما يحدث في غزة، ومحاولة جدية لكسر الحصار المفروض على سكانها".
وتزامن انطلاق القافلة مع احتجاز إسرائيل لسفينة "مادلين"، التابعة لأسطول الحرية، ما زاد من الاهتمام الإعلامي المحلي والدولي بها.
مسار القافلة
وبحسب القايدي، فإن القافلة ستتجه بعد دخولها الأراضي الليبية نحو مدينة الزاوية، حيث ستبدأ "المرحلة الأولى من التنسيق مع الحملة الليبية لمساعدة الشعب الفلسطيني". ومن هناك، ستواصل طريقها إلى مدينة مصراتة لتعزيز الدعم اللوجستي والإنساني، قبل أن تدخل الأراضي المصرية باتجاه معبر رفح. ويتوقع المنظمون أن تصل القافلة إلى رفح في الخامس عشر من حزيران/ يونيو الجاري.
ترحيب شعبي واسع
وعبّر المشاركون في القافلة عن اندهاشهم من حجم الحفاوة التي استُقبلوا بها في جميع المدن التي مروا عبرها. وأظهرت الصور ومقاطع الفيديو المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تجمعات شعبية حاشدة في كل المحطات، بدءاً من العاصمة تونس مروراً بمختلف المدن التونسية ووصولاً إلى المدن الليبية.
وأكد بعض المشاركين أن أعداد مستقبلي القافلة في كل محطة كانت تفوق بكثير أعداد المشاركين فيها، ما يعكس مدى الالتفاف الشعبي حول هذه المبادرة.
تضامن تونسي متجذّر
"قافلة الصمود" ليست المبادرة الأولى من نوعها التي تنطلق من تونس دعماً للقضية الفلسطينية، إذ يعود تاريخ التضامن التونسي مع فلسطين إلى عام 1948، حين سافر مئات التونسيين للقتال إلى جانب الفلسطينيين. كما احتضنت تونس في الثمانينيات منظمة التحرير الفلسطينية وعدداً من قياداتها التاريخية، وعلى رأسهم الرئيس الراحل ياسر عرفات، بعد خروجهم من لبنان.
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، عبّرت تونس مراراً عن تمسّكها بدعم الشعب الفلسطيني، ووصفت ما يتعرض له سكان القطاع بأنه "إبادة جماعية".
تحذيرات من التوظيف السياسي
ورغم الدعم الشعبي العارم للقافلة وأهدافها، برزت بعض المخاوف من محاولات توظيف المبادرة سياسياً من قبل أطراف حزبية، تسعى، بحسب بعض المعلقين، إلى تحقيق مكاسب داخلية أو تسجيل مواقف خارجية باسم القضية الفلسطينية.
وأثارت هذه المخاوف سجالات حادة على مواقع التواصل الاجتماعي، دفعت البعض إلى التحذير من استغلال القافلة كأداة للدعاية السياسية، في الداخل التونسي أو في علاقات تونس الخارجية.
وفي هذا السياق، ترى النائبة في البرلمان التونسي فاطمة المسدي، في حديث لـ"النهار"، أن "القافلة، رغم كونها مبادرة إنسانية لفك الحصار عن غزة، لم تسلم من محاولات التسلل الحزبي والاستثمار السياسي، خصوصاً من طرف الإخوان المسلمين ومن يدور في فلكهم".
وتشير المسدي إلى أنها لاحظت وجود عدد من القيادات الحزبية الإخوانية بين المشاركين، لافتة إلى أن النقاشات داخل القافلة، وفق ما بلغها، تمحورت حول ملفات سياسية داخلية.
وتوضح أن "هذا النمط من الركوب على القضايا العادلة يُفرغ التضامن الحقيقي من مضمونه، ويحوّله إلى أداة دعائية تخدم أجندات غير معلنة". كما تحذّر من بعض التصريحات التي أدلى بها من وصفتهم بـ"المُقتاتين من الهوامش"، والذين "يحاولون الإساءة إلى مصر ورئيسها، وتوتير العلاقة بينها وبين تونس".
وتختم بالقول: "تونس مع فلسطين، ولا شك في ذلك، ولكن دون وسطاء يحملون قضاياهم في يد، وملفاتهم السياسية في اليد الأخرى".