وزراء الجزائر و"الفلكلور الإعلامي"... عتاب تبون يفتح الباب أمام تعديل حكومي مرتقب

في تحذير شديد اللهجة يعكس انزعاجه من الأداء الوزاري، وجّه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قبل أيام انتقادات صريحة لبعض وزرائه، مطالباً إياهم بالابتعاد عن "الفلكلور الإعلامي" والتركيز على العمل الميداني الجاد الذي يُلامس انشغالات المواطنين.
تصريحات تبون التي جاءت خلال اجتماع حكومي، فُهمت على نطاق واسع كرسالة إنذار مبكرة، قد تسبق مراجعة شاملة لأداء عدد من أعضاء الطاقم التنفيذي، في ظل تصاعد الأصوات المطالبة بمزيد من النجاعة في معالجة الملفات الاجتماعية والاقتصادية.
وبنبرة حادة، وجّه الرئيس تعليماته للحكومة بالعمل "بصرامة أكبر في الميدان لحل الانشغالات الحقيقية للمواطنين، بعيداً عن كل أشكال الفلكلور الإعلامي".
توجيهات تبون تزامنت مع تزايد الانتقادات إزاء ما وُصف بـ"البهرجة الإعلامية" لبعض المسؤولين، في مشاهد تُذكّر بممارسات ارتبطت بفترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والتي دعا تبون مراراً إلى تجاوزها والاقتراب أكثر من المواطن ومطالبه الواقعية.
وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر العيد زغلامي أن "ملاحظة الرئيس الجزائري نابعة من نشاطات ذات طابع استعراضي لبعض الوزراء، الذين انشغلوا بالصورة على حساب المسؤوليات الجوهرية المتمثلة في تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمواطن".
ويضيف زغلامي، في حديثه لـ"النهار"، أن "عدداً من الأنشطة الوزارية لا تترك أي أثر ملموس في حياة الناس، كما أن زيارات ميدانية كثيرة تنتهي بتصريحات سطحية، تفتقر إلى القيم الإخبارية الحقيقية".
ويحمّل زغلامي جزءاً من المسؤولية لوسائل الإعلام التي يرى أنها تكتفي غالباً بتغطية المظاهر الرسمية وإبراز هوامش الأحداث، دون التعمق في التحليل أو مساءلة السياسات.
ويتابع: "بعض الوزراء يحرصون على الظهور الإعلامي فقط من أجل ربح نقاط شخصية، قد تضمن لهم البقاء لفترة أطول في مناصبهم".
ويُذكّر بأن الرئيس تبون سبق أن أجرى تغييرات عدة في الطاقم الحكومي بناءً على تقارير غير مُرضية، وهو ما يُعد ممارسة طبيعية في إطار صلاحياته الدستورية، ويُظهر تفاعلاً سريعاً، وإن غير متسرّع، مع أي إخلال بمبادئ العمل الحكومي.
من جهتها، ترى الإعلامية المتابعة للشأن السياسي مريم زكري أن "عتاب الرئيس الجزائري لبعض الوزراء هو رسالة واضحة تعبّر عن حرصه على توجيه الجهد نحو العمل الفعلي، لا المظاهر الإعلامية"، مشيرة إلى أن "ملاحظاته لا تعني تقليص حرية التواصل، ولا تُنكر ما تم تحقيقه، بل تأتي كتصويب للمسار".
وتضيف زكري لـ"النهار": "الجزائريون اليوم ليسوا بحاجة لخطابات وتغطيات رنّانة، بل ينتظرون حلولاً عملية، خاصة في القضايا الاجتماعية والاقتصادية الحساسة".
وتعتبر أن ملاحظات تبون جاءت "في وقتها المناسب"، إذ "تعيد ترتيب الأولويات، وتُذكّر الوزراء بأن صورة الحكومة تُبنى في الورشات والمشاريع، لا في الكاميرات والاستوديوهات".
ورغم أن تصريحات الرئيس لم تتضمن أي إشارة صريحة إلى تعديل حكومي، إلا أن زكري ترى أنها تحمل في طياتها "مؤشرات على تقييم مرتقب لأداء عدد من الوزراء"، مرجحة أن تكون تمهيداً لـ"تعديل حكومي محدود أو جزئي يعيد الديناميكية للجهاز التنفيذي، خاصة مع اقتراب محطات سياسية واقتصادية هامة تتطلب طاقماً متناغماً بأهداف واضحة".
وتختم بالقول: "الفرصة لا تزال متاحة أمام الوزراء لإعادة ترتيب أوراقهم، والابتعاد عن الاستعراض، والعمل بما يخدم المصلحة العامة ويعكس حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد".