حفاوة مصريّة بالرئيس الفرنسيّ... ماكرون يرفض مشاركة حماس في حكم غزّة

يبدو أنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حرص على جعل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمصر استثنائية، منذ لحظتها الأولى، لتتوافق مع الظروف الإقليمية والدولية غير التقليدية، الأمر الذي يستدعي رصّ الصفوف، وتكثيف التعاون الثنائي والجماعي بين العرب وأوروبا، بحسب رأي محللين.
الزيارة متخمة بتفاصيل ودلالات تعكس أهميتها، ومنها الاتصال الهاتفي بين الرئيسين، السبت، واستقبال طائرات حربية مصرية من طراز "رافال"، فرنسية الصنع، الطائرة الرئاسية الفرنسية في الأجواء المصرية، إلى جانب الجولة التي قام بها ماكرون والسيسي في منطقة "الحسين"، إحدى مناطق القاهرة التاريخية والشعبية المزدحمة، حيث حظيا باستقبال بدا عفوياً وحاراً من أصحاب المتاجر والمواطنين.
تضمن الجدول لقاء ثنائياً اليوم الاثنين، وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين، والإعلان عن ترفيع العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. كما تناول الرئيسان الأوضاع في المناطق الفلسطينية، والتطورات في لبنان وسوريا والشرق الأوسط، وفي الساحل والقرن الأفريقي، وكذلك حرية الملاحة في البحر الأحمر، وسبل التعاون المشترك لترسيخ الأمن الإقليمي.
ثمّ انضمّ إلى الرئيسين العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين، فعقدوا قمّة ثلاثية تطرّقت إلى تطوّرات الأوضاع الإقليمية، والوضع في غزّة والضفة الغربية. وتأتي القمّة في اليوم الذي يستقبل فيه الرئيس الأميركي رئيس الوزراء الإسرائيلي في البيت الأبيض.
وفي مؤتمر صحافي مشترك، رفض ماكرون مشاركة "حماس" في حكم غزة، وشدّد على رفضه التهجير القسري للسكان كما ورد في مقترح الرئيس الأميركي لإعادة الإعمار. وقال إنّه يتطلع إلى حكم فلسطيني جديد في القطاع، "بقيادة السلطة الوطنية الفلسطينية". ووافقه الرئيس المصري في "رفض أيّ دعوات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم".
ومقرّر أن يزور الرئيس الفرنسي مدينة العريش المتاخمة لحدود غزة، الثلاثاء، لإظهار دعم باريس لوقف إطلاق النار في القطاع، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين. ونشرت وسائل إعلام محلية أنباءً عن استعدادات في المدينة للزيارة.
القمّة الثلاثيّة
يقول الدكتور صفي الدين خربوش، عضو لجنة الشؤون العربية في مجلس النواب المصري، لـ"النهار" إنّ دعوة الرئيس السيسي للقمّة جاءت في إطار الجهود المصرية المستمرّة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، "للتوصّل إلى هدنة تحمي من تبقّى من أهالي غزّة، وتضمّن إدخال المعونات الإنسانية إلى القطاع، تمهيداً لإعادة إعماره".
ويضيف خربوش: "رغم إدانة الاتحاد الأوروبي لهجوم 7 أكتوبر، فإن مواقفه كانت قريبة من المواقف المصرية والعربية الداعية إلى وقف الإبادة الجماعية. ودعمت دول الاتحاد معظم القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصوتت لصالح مشاريع القرارات التي قدّمها العرب لمجلس الأمن، والتي أجهضها الفيتو الأميركي".
ويلفت إلى أنّ "باريس وبرلين تقودان الاتحاد منذ تأسيسه، وفرنسا هي إحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولا تزال تحظى بنفوذ قوي لدى دول الجنوب، وتحديداً الأعضاء في منظمة الدول الناطقة بالفرنسية (الفرنكوفونية)".
ويرى أنّ "مصر تسعى إلى جذب الدول الأوروبية للموقف الموحّد الذي أعلنته الدول العربية والإسلامية، فمعظم دول الاتحاد تدعم وقف العدوان، وترفض تهجير سكان غزّة، وتطالب بالبدء في إعادة إعمار القطاع، ووضع جدول زمنيّ لتأسيس دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل".
مرحلة دقيقة
تقول نهى بكر، عضو الهيئة الاستشارية للمجلس المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، لـ"النهار": "تأتي زيارة ماكرون الرابعة لمصر في مرحلة بالغة الدقة بالنسبة إلى الشرق الأوسط بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص".
وتضيف بكر : "الخطّة العربية التي أعدّتها مصر لإعادة إعمار غزّة، وحظيت بإقرار عربي وإسلامي، جزء أساسي من المحادثات على المستوى الرئاسي، أو على مستوى الوزراء المعنيين من الجانبين، فباريس أعلنت عن دعمها للخطة، وصدر بيان رباعي بهذا الخصوص، وقعته فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا".
وترى أن "باريس تسعى إلى وقف العمليات العسكرية في غزّة، وتحرير الرهائن الإسرائيليين، وهو ما يتّفق مع الأهداف المصرية والأردنية، الغرض هو العمل على الحلّ السياسي الذي عنوانه حلّ الدولتين. لكنّ أولوية الأولويات تكمن في التوصّل إلى وقف إطلاق النار. وهذه الزيارة تؤكّد وعي فرنسا بالدور الذي تقوم به القاهرة بوصفها طرفاً رئيسيّاً في الاتصالات".
أثر إيجابيّ
من جانبها، تعتقد الدكتورة تمارا الحداد، المحللة السياسية الفلسطينية والباحثة في الشؤون الدولية، أنّ زيارة الرئيس الفرنسي سيكون لها تأثير إيجابي في هذا التوقيت الصعب.
وتقول الحداد لـ"النهار": "هذا الأثر سيتحقق بوحدة الصف الأوروبية. أوروبا لديها أوراق الضغط الخاصة بها، لا سيما في هذا التوقيت الذي ساهمت فيه سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفتح جبهات في جميع الاتجاهات: فمن جهة، يدعم ترامب إسرائيل بشكل مطلق؛ ومن جهة أخرى يفرض رسوماً ضريبية أغضبت الأوروبيين والعالم أجمع".
وترى أنّ إدارة ترامب "تريد أن تبني قوة واشنطن مقابل خسارة العالم. آن الأوان لمواجهة هذا التوجه، والضغط من أجل تحقيق حل الدولتين، لا سيّما وأنّه في شهر حزيران/يونيو المقبل سيعقد مؤتمر لتطبيق حلّ الدولتين، وتتصدّر فرنسا التنسيق لهذا المؤتمر".