ظهور مفاجئ لـ"الفار" إلى جوار مستشار الدبيبة ووزير داخليته يضع سلطة القضاء الليبي على المحك

مثّل ظهور قائد ميليشيات بارز في غربي ليبيا متّهم بالقتل في مناسبات اجتماعية، حضرتها شخصيات رسمية، صدمةً للأوساط الليبية، لما لذلك من تبعات على هزّ صورة السلطة القضائية وصدقيتها في بلد يعاني على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية.
وكان الادعاء العام الليبي قد أمر في أيلول/ سبتمبر بتوقيف وسجن قائد ما يُسمّى بـ"فرقة الإسناد الأمني"، محمد بحرون، الملقب بـ"الفار"، بتهمة التورط في مقتل قائد معسكر الأكاديمية البحرية في مدينة الزاوية الساحلية (غربي ليبيا) عبد الرحمن سالم ميلاد الملقب بـ"البيدجا".
توارى بعدها "الفار"، الملاحق أيضاً من قبل الإنتربول الدولي بقضايا تتعلّق بتهريب البشر، لشهور عن الأنظار، وسط شائعات عن فراره إلى خارج البلاد، قبل أن يظهر فجأة في مناسبات اجتماعية عدّة خلال شهر رمضان، كانت أبرزها مائدة إفطار في منزل المستشار السياسي لرئيس حكومة العاصمة إبراهيم الدبيبة، والتي جمعت وزير الداخلية عماد الطرابلسي ووكيل وزارة الدفاع عبد السلام الزوبي، مما أثار عاصفة من الجدل والتساؤلات بشأن النفوذ الضارب لقادة الميليشيات في داخل دوائر صنع القرار، وبشأن استمرار الإفلات من العقاب.
وأظهرت صورٌ جرى تداولها على منصّات التواصل الاجتماعي الليبية "الفار"، وهو يتبادل الابتسامات مع الحضور، مما أثار تساؤلات بشأن مصير التحقيقات وقدرة النائب العام على فرض سلطته.
ويصف الحقوقي الليبي ناصر الهواري ظهور "الفار" إلى جوار مسؤولين رسميين، بالإضافة إلى قائد جهاز "دعم الاستقرار" عبد الغني الككلي، المعروف بـ"غنيوة"، بـ"المشهد المستفزّ".
ويتساءل في حديث لـ"النهار": "أين العدالة في ليبيا عندما يجلس متهم بالقتل مطلوب للعدالة ويحتفل مع مسؤولين؟".
أما رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان د. عبد المنعم الحر، فيشير إلى أنه "لا يمكن لوم الادّعاء العام الليبي، إذ إنه أصدر بالفعل أوامر قبض بحق الفار، وكلّف قائد المنطقة العسكرية في منطقة الساحل الغربي صلاح النمروش بتنفيذ القرار. لكن الأخير لا يمتلك قوة كبيرة لمواجهة نفوذ محمد بحرون (في مدينة الزاوية)، كما أنهما (النمروش والفار) أبناء مدينة واحدة، ولا يتوقع أن ينفذ النمروش قراراً بحق ابن مدينته، خصوصاً في ظل قوام مؤسسة عسكرية يتشكل من الميليشيات التي لا يخضع أعضاؤها للتدرّج الهرمي الذي تتمتع به المؤسسات النظامية".
ويضيف الحر، وهو أيضاً أستاذ في القانون، لـ"النهار": "المؤسسة القضائية بما فيها مكتب النائب العام يغيب عنها معيار القدرة، رغم وجود الاستقلالية والرغبة، خصوصاً في الجرائم التي يكون أطرافها يتمتعون بنفوذ سياسي أو عسكري أو حتى اجتماعي. القدرة على توقيف هؤلاء لا تتوفر، وهو ما يفتح الباب أمام التدخّل الدولي، وتحديداً المحكمة الجنائية الدولية". ويشير إلى أنه "لا يخفى على أحد أن الفار مقرّب من حكومة عبد الحميد الدبيبة، ويتمتع بغطاء منها ضد القبض عليه، مما يتيح له فرصة التنقّل بحرية". ويرى أن "أوامر القبض ستبقى حبراً على ورق في ظلّ وجود هذه الحكومة وغياب سيادة القانون وتدهور الوضع الأمني وزيادة وتيرة الإفلات من العقاب".
بالمثل، يدافع أستاذ القانون الدكتور راقي المسماري عن النائب العام الليبي، الذي "أمر بتوقيف بحرون للتحقيق معه في القضية. لكن في النهاية هذا القرار يبقى على ورق لأنه لا يملك اختصاصات تنفيذه، إذ يُكلف جهاز الشرطة القضائية بذلك، وكذلك وزارة الداخلية، التي تملك قوات قادرة على مواجهة العصابات والميليشيات والقبض على الحالات التي تتمتع بمراكز نفوذ وحماية".
ويؤكّد، في حديثه لـ"النهار"، أن "قائد جهاز الشرطة القضائية أسامة انجيم مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بشأن تهم ترتقي إلى جرائم حرب. والطامة الكبرى أن وزير الداخلية كان ضمن حضور مأدبة الإفطار التي استضافها مستشار رئيس الحكومة، وابن عمه، وكذلك زوج شقيقته (إبراهيم الدبيبة)".
ويضيف: "هذا المشهد يعكس تفاصيل الحياة في طرابلس... لو مُكّن النائب العام من فتح تحقيق، فسيُصدر أوامر قبض بحق أغلب حضور هذه المائدة لارتكابهم جرائم جنائية"، مؤكداً أن "الجهاز القضائي (المحاكم والنيابات) غير قادر على التعامل مع هذه الفوضى إلا من خلال ما يُتاح له من تحقيقات في بعض الجرائم التي يمثل أمامها مرتكبوها وما يتوفر لديه من مستندات بشأنها".