وفاة طفلة مغربية في سوريا تُعيد النقاش بشأن مصير العالقين بـ"مخيمات الموت"

في مشهد مؤلم يُوجع القلب ويُعمق جروح مئات العائلات المغربية، لفظت طفلة مغربية لا يتجاوز عمرها سبع سنوات أنفاسها الأخيرة داخل مخيم "الروج" شمال سوريا، في ظروف وصفتها "التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين المغاربة في سوريا والعراق" بـأنها "غامضة ومأسوية". ويُشار إلى أن الطفلة وُوريت الثرى من دون أن تُفتح تحقيقات بشأن أسباب وفاتها، في مشهد يُجسد، بحسب التنسيقية، "استخفافاً صادماً بأبسط الحقوق الإنسانية".
وفي بيان شديد اللهجة، تلقت "النهار" نسخة منه، عبّرت التنسيقية عن استنكارها العميق للطريقة التي تم بها دفن الطفلة، من دون أي اهتمام أو متابعة من طرف إدارة المخيم التابعة لقوات سوريا الديموقراطية (قسد). وأكدت أن هذا التجاهل ليس سوى "فصل جديد من فصول المعاناة اليومية التي يعيشها المغاربة العالقون في مخيمات الموت، حيث يُحتجز المئات من النساء والأطفال في ظروف إنسانية مزرية".
مطالب بفتح تحقيق ومحاسبة المسؤولين
وحملت التنسيقية بقوة على ما وصفته بـأنه "خرق صارخ لحقوق الإنسان"، مطالبة بفتح "تحقيق عاجل وشفاف" يكشف حقيقة ما جرى، ومحاسبة كل من ثبت تقصيره أو إهماله في هذه الحادثة المفجعة. كما شددت على ضرورة تدخل الجهات المعنية لوضع حد لما وصفته بـأنه "لامبالاة تطاول أرواح الأبرياء".
ولم يتوقف النداء عند حدود إدانة الواقعة، بل تجاوزه إلى دعوة صريحة للمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان الى تحمّل مسؤولياتها حيال الأوضاع "الكارثية" التي يعيشها الآلاف في هذه المخيمات، التي تعاني من نقص حاد في الغذاء والدواء والرعاية الصحية، وتحوّلت إلى بؤر للمعاناة، خصوصاً بالنسبة الى الأطفال والنساء الذين يواجهون يومياً تهديدات صحية وأمنية جسيمة.
نداء عاجل للدولة المغربية
ووجهت التنسيقية نداءً مُلِحاً إلى الدولة المغربية، حكومةً وشعباً، للتدخل العاجل وإنقاذ المواطنين المغاربة من "جحيم المخيمات"، عبر ترحيلهم الفوري إلى أرض الوطن حيث "الأمن والكرامة والرعاية التي يكفلها الدستور"، وفقاً لما جاء في بيانها. كما أكدت أن من غير المقبول أن تبقى عائلات مغربية، خصوصاً النساء والأطفال، رهائن لصراعات ليست من صنعهم، محرومين حقهم في العودة إلى وطنهم. وأضاف البيان بمرارة: "لقد طفح الكيل، والدمع لم يعد يكفي".
صرخة من الداخل: "أختي وأبناؤها يعيشون الجحيم... إلى متى؟"
من جهتها، عبّرت فاطمة، شقيقة إحدى المحتجزات في المخيم، في تصريح لـ"النهار"، عن حزنها العميق على ما جرى قائلة: "خبر وفاة الطفلة كسرنا من الداخل. كيف يُدفن طفل من دون تحقيق؟ كيف يُترك المغاربة هناك من دون حماية؟ أختي وأبناؤها يعيشون الجحيم منذ سنوات، ونحن هنا نُراسل وننتظر بلا جدوى. نطالب الدولة المغربية بأن تتحمل مسؤوليتها، هؤلاء مواطنون مغاربة، وأطفال لا ذنب لهم".
وأضافت: "كفى تسويفاً، نحن لا نطلب المستحيل، فقط نريد أن نحتضن أبناءنا من جديد، قبل أن نفقد المزيد منهم في صمت قاتل. نرغب فعلاً في أن يتحرك هذا الملف الجامد"، مضيفة أن "مع كل واقعة، ترتجف قلوبنا ولم نعد نتحمل... صراحة".
إحصائيات وأرقام مقلقة
وتكشف المعطيات التي أوردتها التنسيقية أن ما لا يقل عن 97 امرأة مغربية محتجزة في مخيمات شمال سوريا، برفقة 259 طفلاً، فيما يبلغ عدد الرجال المقاتلين المعتقلين هناك حوالى 130 شخصاً. بالإضافة إلى وجود 25 طفلاً مغربياً يتيماُ و10 معتقلين في السجون العراقية، بينهم امرأتان.
وتُظهر معطيات وزارة الداخلية المغربية أرقاماً متقاربة، إذ تشير إلى وجود 277 محتجزاً مغربياً في المخيمات، بينهم 65 رجلاً و30 امرأة و182 طفلاً، إضافة إلى 17 طفلاً غير مرفقين بوالديهم.
"فشل إنساني وأخلاقي دولي"
وفي هذا السياق، يقول الحقوقي المغربي سعيد الصبار، في حديث إلى "النهار"، إن "وفاة الطفلة المغربية في هذه الظروف المؤلمة تعكس فشلاً إنسانياً وأخلاقياً دولياً، وتستوجب تحركاً رسمياً مغربياً عاجلاً، ليس للمطالبة بفتح تحقيق نزيه فحسب، بل لإعادة هؤلاء المواطنين إلى وطنهم".
واعتبر أن استمرار معاناة النساء والأطفال في هذه المخيمات "وصمة عار لا يمكن السكوت عنها"، مشدداً على أن الدولة المغربية "لديها التزامات دستورية ودولية تحتم عليها تأمين الحماية لمواطنيها، خصوصاً حين يكونون ضحايا نزاعات مسلحة أو محتجزين في مناطق نزاع".
بارقة أمل
وفي خضم هذه المعاناة، أعلنت التنسيقية ترحيبها باتفاق وُصف بـأنه "تاريخي" جرى توقيعه يوم 10 آذارمارس الجاري بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قوات سوريا الديموقراطية" مظلوم عبدي، وينص على اندماج "قسد" ضمن مؤسسات الدولة السورية، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض تقسيمها.
وترى التنسيقية أن هذا الاتفاق قد يشكّل "بارقة أمل"، خصوصاً إذا نُقل المعتقلون المغاربة من قبضة القوات الكردية إلى الحكومة السورية، في ظل مؤشرات عن "تغيّر في الخطاب الرسمي لدمشق"، خصوصاً بعد اللقاء الذي جمع وزير الخارجية المغربي بنظيره السوري مؤخراً.
مسؤولية كبيرة
وفق الحقوقيين والفاعلين الذين تواصلت معهم "النهار"، تبدو الكرة اليوم في ملعب الدولة المغربية، التي باتت مطالَبة ليس بإدانة ما يجري فحسب، بل باتخاذ خطوات ملموسة، تبدأ بإعادة مواطنيها وضمان حقهم في الحياة والكرامة، وتُنهي فصولًا دامية من الحكاية التي لا تزال تُكتب داخل أسوار "مخيمات الموت".