تقارب مع موسكو عبر مينسك... حفتر أمام تحدي الموازنة بين أميركا وروسيا

أثيرت تساؤلات عديدة حيال حراك غير مسبوق في العلاقات بين قائد "الجيش الوطني" الليبي خليفة حفتر الذي يُسيطر على شرق ليبيا وجنوبها، وبيلاروسيا، محورها قدرة الرجل على تحقيق التوازن في علاقاته بين محوري روسيا وحلفائها من جهة والولايات المتحدة ومعسكرها من جهة أخرى.
وكان رئيس حكومة الشرق (الموازية) أسامة حماد، في مقدم مستقبلي نائب رئيس وزراء بيلاروسيا فيكتور كارانكفيتش لدى وصوله الأحد، إلى مطار بنينا الدولي في مدينة بنغازي (عاصمة شرق ليبيا).
الزيارة جاءت بعد أقل من شهر على محادثات أجراها حفتر في العاصمة مينسك، مع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو الذي أكد استعداد بلاده لتطوير التعاون مع ليبيا، وخاطب حفتر قائلاً: "أود أن تشعر كأنك في بيتك، وتعتبرنا أصدقاءك، ولقد قرأت وسمعت الكثير عنك، لكن للأسف لم أقابلك من قبل، وأريدك أن تعلم أننا على اطلاع جيد على الوضع في ليبيا، ونعرفها جيداً"، مضيفاً: "يجب أن تعلم أننا مستعدون لمساعدتك بكل طريقة ممكنة. كل ما سنتفق عليه اليوم خلال أيام إقامتكم في بيلاروسيا سينفذ في الوقت المحدد"، فيما أكد الجنرال الضيف أن ليبيا "تسعى إلى إقامة تعاون استراتيجي مع بيلاروسيا".
الخبير الليبي في الشؤون السياسية محمد بويصير لاحظ تسابق موسكو وواشنطن على استمالة حفتر، مشيراً إلى أن "تبادل الزيارات بين معسكر شرق ليبيا وبيلاروسيا تزامن مع زيارة نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف، بنغازي، السبت الماضي، وفي المقابل فإن الأميركيين وجهوا رسائل إلى حفتر عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي التقاه في قصر الإليزيه، عقب زيارته لبيلاروسيا، ويبدو أنه نقل رسالة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب تبعتها على الفور مناورات عسكرية شاركت فيها القاذفات الاستراتيجية من طراز "بي 52" في سماء ليبيا، من دون مناسبة إلا كونها رسالة إلى الجانب الروسي وإبهاراً للجانب الليبي".
وأكد بويصير لـ"النهار" أن هذا التنافس "يعطي حفتر فرصة لأن يصبح هو الرجل القادر على تحقيق الاستقرار في ليبيا، إذا استطاع الاستفادة من تودد الطرفين، ولكن السؤال هل هو قادر على ذلك؟".
ومن شأن تعزيز العلاقات مع مينسك أن يوسع من شبكة علاقات حفتر الدولية، وفق ما يعتقد الخبير في الشؤون الروسية ودول البلقان هادي درابيه، مؤكداً لـ"النهار" أن هذه العلاقة الجديدة تمنحه نفوذاً أكبر في المفاوضات الدولية بشأن ليبيا، بخاصة مع تعزيز تحالفاته مع دول خارج المحورين الغربي والعربي، كما قد تُستخدم هذه الخطوة ورقة ضغط في مواجهة خصومه المحليين والدوليين. وقال درابيه: "كما أن العلاقات الوثيقة بين بيلاروسيا وروسيا تفتح الباب لدعم غير مباشر من موسكو للجيش الليبي، بخاصة في ظل التوترات الجيوسياسية في شمال إفريقيا. وبيلاروسيا تشكل شريكاً جديداً في هذا الإطار، بخاصة مع توجهها إلى تعزيز وجودها في شمال أفريقيا، وفتح آفاق تعاون جديدة لفك عزلتها الدولية"، لافتاً إلى أنه "أثناء زيارة حفتر للعاصمة البيلاروسية قبل حوالى أسبوعين، كانت لافتة زيارته للنصب التذكاري للجندي المجهول في مينسك، وهذه الخطوة تعكس بشكل مباشر الطابع العسكري لزيارته، كما كان لافتاً أن لقاء حفتر مع الرئيس البيلاروسي شارك فيه أيضاً رئيس لجنة أمن الدولة إيفان تيرتل. وهذا يُشير أيضاً إلى أن القضايا الأمنية كانت من محاور اللقاءات".
وأوضح درابيه أن "بيلاروسيا رغم العقوبات الغربية، تبقى بلداً رائداً في الصناعات العسكرية والتكنولوجيا الدفاعية، ومن غير المستبعد أن يكون هدف الزيارات المتبادلة تعزيز التعاون في مجالات مثل التدريب العسكري، وصيانة المعدات، وتحديث البنية الدفاعية الليبية. كما تمتلك بيلاروسيا خبرات في الصناعات الزراعية والغذائية، وهو ما قد يساهم في تعزيز الأمن الغذائي الليبي، بخاصة مع أزمات نقص الغذاء التي تعانيها البلاد. وتمتلك أيضاً خبرات في إعادة الإعمار والبنية التحتية، ما قد يسرع مشاريع التنمية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني الليبي".
ويتفق الباحث في الشؤون الروسية سامر إلياس مع رؤية درابيه، مؤكداً أن "الجانب الروسي لديه مصلحة في تحسين العلاقات بين مينسك وبنغازي، وزيارة حفتر ما كانت تتم لولا تنسيق مع موسكو. الجانب الروسي متمسك بدعم معسكر حفتر، وربما ترغب موسكو في هذه المرحلة ألا تكون في واجهة العلاقات مع ليبيا نظراً إلى التغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم، لذلك فتحت الباب أمام علاقات مع بيلاروسيا تؤمن لشرق ليبيا تعاوناً عسكرياً".
ويستبعد إلياس أن تؤثر التطورات الأخيرة على الانفتاح في علاقات حفتر بواشنطن، "فالاهتمام الأميركي بليبيا حتى الآن محدود ويركز على الملف النفطي وخفض أسعار الطاقة، على عكس فرنسا وإيطاليا تحديداً، ووفقاُ للتطورات الأخيرة لا أعتقد أن ملف إخراج الروس من ليبيا أولوية لدى إدارة الرئيس ترامب بل أعتقد أن هناك حالة من تقاسم النفوذ بين البلدين، وهذا قد يكون أساساً لتفاهمات مستقبلية".
أما الباحث الليبي في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية محمد إمطيريد، فأوضح أن الزيارات المتبادلة "تطرقت إلى التعاون في المجالين الزراعي والصناعي بالإضافة إلى الدفاع العسكري"، لافتاً لـ"النهار" إلى مشروع زراعي ضخم في أحواض منطقة الكُفرة (جنوب شرق ليبيا) سيتم الاتفاق على تنفيذه مع مينسك. ورأى أن زيارة الوفد البيلاروسي لبنغازي ترفع مستوى شرعية الحكومة (الموازية) على المستوى الدولي في مواجهة حكومة العاصمة.
وأضاف إمطيريد أن "التعاون مع بيلاروسيا يؤكد استمرار التحالف بين الجيش الوطني وموسكو، لكن هذا لا يعني عرقلة التعاون مع الولايات المتحدة في ظل رئاسة ترامب". ويتفق مع بويصير على التسابق بين موسكو وواشنطن على كسب ود معسكر حفتر "الذي يسيطر على مناطق تمثل عمقاً استراتيجياً لدول إقليمية".