رحيل محمد بن عيسى وزير خارجية المغرب الأسبق
الرباط: كريم السعدي
توفي مساء الجمعة في الرباط محمد بن عيسى وزير خارجية المغرب السابق وأمين عام مؤسسة منتدى أصيلة ومؤسس موسم أصيلة الثقافي الدولي ، بعد مرض عضال لم ينفع معه علاج ، وذلك عن عمر ناهز 88 سنة . وسيوارى بن عيسى الثرى في الغالب يوم غد في مسقط رأسه بأصيلة.
ويحظى بن عيسى، الوزير والدبلوماسي المغربي السابق ورجل الفكر والثقافة المتميز، بمكانة رفيعة وحضور وازن بين رجالات المغرب المعاصر، نظير إسهاماته على مدى عقود من العطاء، خدمة لمدينته أصيلة وبلده المغرب.
ولد بن عيسى سنة 1937، بأصيلة، المدينة الصغيرة التي عانت من التهميش، قبل أن تتطور نحو الأفضل، وتتحول بفضل رؤية وجهود بن عيسى، التي تقوم على جعل الثقافة والفنون رافعةللتنمية، إلى منارة فكرية وسط العالم العربي، وتصير من الواحات الفكرية القليلة في العالم وعالم الجنوب، التي يجري في موسمها الثقافي الدولي نقاش خصب بين الفاعلين ومنتجي الأفكار بخصوص قضايا وإشكاليات لها اتصال بصميم الراهن الثقافي والسياسي والمعيشي العام.
منذ طفولته، أبدى بن عيسى اهتماما قويا بالثقافة والفنون والإعلام، لذلك دفعه طموحه ورغبته في إثبات الذات عبر التحصيل العلمي إلى مغادرة المغرب، في سن السادسة عشرة، إلى مصر لدراسة الصحافة، قبل أن ينتقل عام 1961 إلى الولايات المتحدة لمواصلة دراسته، ليحصل عام 1963 على شهادة البكالوريوس في الصحافة من جامعة مينيسوتا، ليبدأ حياته المهنية كملحق إعلامي بالبعثة الدائمة للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة، في نيويورك؛ وبين 1965 و1967، ملحقا إعلاميا بدائرة الإعلام للأمم المتحدة.

سيتدرّج بن عيسى في مسيرته المهنية، ليعمل باللجنة الاقتصادية لإفريقيا بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا؛ قبل أن يعمل، ما بين 1967 و1971، مستشارا إقليميا في الإعلام لدى منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في القارة الإفريقية، بمقر مكتبها الإقليمي في العاصمة الغانية أكرا .
سيتعرف بن عيسى على بلدان متفرقة داخل إفريقيا جنوب الصحراء، حيث قام بتقييم الظروف التنموية والبيئية لتلك المناطق، وساهم برؤيته في البحث عن حلول لتحسين الظروف المعيشية المحلية. وقد عززت تجاربه ومشاهداته إيمانه بضرورة تحقيق التنمية المحلية والتفاني في خدمة الصالح العام، وهو ما سيصبح بعد ذلك، إلى جانب إيمانه بقيمة الثقافة في تحقيق التنمية، دافعا ومحفزا له طوال حياته.
في 1976، سيعود بن عيسى إلى المغرب. ورغبة منه في فعل شيء لصالح مدينة وبلده، سيتقدم إلى الانتخابات البلدية، ليصبح مستشاراً في المجلس البلدي للمدينة، إلى غاية 1983. وقد كان هذا الترشح خطوة أولى في مسيرة سياسية حافلةبالمهام والمسؤوليات والإنجازات. وفي 1977، سينتخب بن عيسى عضواً في البرلمان المغربي، نائبا عن مسقط رأسه، أصيلة،حيث عمل مقررا للجنة الثقافة والإعلام بذات المجلس إلى سنة 1984. وفي الفترة ما بين 1985 و1992، سيشغل منصب وزير الثقافة، قبل أن يتم تعيينه سفيراً للمغرب لدى الولايات المتحدة الأميركية، ما بين 1993 و1999،وهي السنة التي عين فيها من طرف الملك الراحل الحسن الثاني وزيراللشؤون الخارجية والتعاون، وهو المنصب الذي شغله على مدى 8 سنوات، (ما بين 1999 و2007).
على الرغم من نشاطاته المكثفة وانشغالاته الكثيرة على المستوى السياسي، لم يغفل بن عيسى عن رؤيته وإيمانه بأهمية الثقافة في تحقيق التنمية المجتمعية وتحسين الوضع العام. وانطلاقًا من قوة ووضوح رؤيته، شارك، في 1978، هو ورفيق دربه الفنان التشكيلي محمد المليحي (1936 - 2020)، في تأسيس "جمعية المحيط" الثقافية، التي سيتغير اسمها إلى "مؤسسة منتدى أصيلة"، وهي منظمة غير حكومية وغير ربحية مكرسة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال التبادل الثقافي.
لم يكن من السهل، في سياق محلي ودولي معقد، يعيش على وقع التجاذبات السياسية بفعل الحرب الباردة، أن تنجح فكرة موسم ثقافي بتوجه دولي وآمال كبيرة في مدينة صغيرة. لكن إيمان بن عيسى ومن معه، وثقة ودعم الملك الراحل الحسن الثاني وولي عهده، الملك الحالي محمد السادس، والانخراط الإيجابي لمثقفين بارزين من المغرب وإفريقيا والعالم العربي، أنجح الفكرة والمشروع.
عمل بن عيسى، منذ نحو نصف قرن، بجهد دؤوب وتفان وإخلاص لصالح بلده وبلدته أصيلة، المدينة الصغيرة الهادئة، التي كانت تعاني التهميش قبل أن تصير منارة للفكر والثقافة والفنون، لها سمعة طيبة وشهرة عالمية، ينظر إليها كنموذج للتنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال الفن والثقافة.
على مستوى تنمية مدينته، نسق بن عيسى عملية إعادة تأهيل القلعة البرتغالية القديمة التي تشكل القلب النابض لأصيلة، وهو الإنجاز الذي أكسبه في عام 1998 جائزة الآغا خان للعمارة الإسلامية، تتويجا لتفانيه الدؤوب في الخدمة العامة في العديد من المؤسسات التي أُنشئت تحت قيادته، والتي ساهمت بدورها في الانتعاشة الاقتصادية للمدينة، توجت بإنشاء عدد من المرافق والبنيات التحتية المهمة، خدمة لسكان المدينة.
حظيت جهود ومنجزات بن عيسى بالتقدير، من داخل وخارج المغرب، حيث حصل على عدد من الأوسمة الرفيعة، بينها وسام العرش من درجة ضابط من الملك الحسن الثاني سنة 1993، ووسام العرش من درجة ضابط من الملك محمد السادس سنة 2002، ووسام العرش من درجة ضابط كبير من الملك محمد السادس سنة 2008. كما أنه حامل لأوسمة من عدد من الدول، بينها الدنمارك، وإسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والمكسيك والبيرو، والشيلي، الأرجنتين، البرازيل، اليابان، الهند وماليزيا.
حصل بن عيسى أيضا على عدد من الجوائز، بينها جائزة رجل السنة الثقافية من مؤسسة الفكر العربي، ببيروت في 2003، وجائزة الشيخ زايد للكتاب رجل السنة الثقافية برسم 2008. كما حصل، في 2007، على درجة الدكتوراه الفخرية في القانون والخدمات العامة من جامعة مينيسوتا. كما حصل في 2011 على جائزة ملتقى الأقصر الدولي للفن التشكيلي، وجائزة شخصية العام الثقافية بمعرض الشارقة الدولي للكتاب، ونال عضوية مجلس مركز اكسفورد للدراسات الإسلامية. فيما سيحصل في 2012، على عضوية المجلس الاستشاري لمركز العلاقات الدولية والتنمية المستدامة والدورة 67 للجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان هذا المجلس مسؤولاً عن إعداد مشروع التقرير عن الأهداف الإنمائية للألفية، ولا سيما التنمية المستدامة. كما حصل في 2014، على عضوية اللجنة العليا لملتقى القلم العربي – أبو ظبي (مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية)؛ كما أنه عضو مؤسس لمركز العلاقات الدولية والتنمية المستدامة ببلغراد بصربيا(2015)، ولمجلس الإدارة منتدى وزراء آسبن المؤسس من لدن وزيرة الخارجية الاميركية السابقة مادلين أولبرايت (2018). وفي 2022، سيصبح عضوا لمجلس أمناء مكتبة الإسكندرية بمصر؛وهي نفس السنة التي سيحصل فيها على جائزة الإنجاز في مجال ديبلوماسية حل الصراعات، والديمقراطية وحقوق الإنسان،التي تقدمها مؤسسة كميت بطرس بطرس غالي للسلام والمعرفة بمصر.
وظل بن عيسى حتى وفاته عمدة لمدينة أصيلة ، وعضوا في مجلس المستشارين ( الغرفة الثانية) ، فضلا عن مهامه كأمين عام لمؤسسة منتدى أصيلة؛ كما أنه مستشار دولي في قضايا الاتصال والتنمية، وعضو بجائزة عيسى لخدمة الإنسانية (البحرين)، وبمجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدولية والطاقة "دراسات"، وبمجلس الأمناء لمنتدى الفكر العربي في عمان بالأردن.
نبض