شمال إفريقيا 28-02-2025 | 19:08

الجفاف يحرم المغاربة من أضاحي العيد... بين إيجابيات الدعوة الملكيّة وتعويض المتضرّرين

جاءت دعوة الملك في رسالة رسمية وجهها إلى مواطنيه، ونقلها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، أكد فيها أن الدولة حريصة على تمكين المغاربة من أداء شعائرهم الدينية في أفضل الظروف، غير أن الوضع المناخي والاقتصادي الراهن يفرض على الجميع التحلي بروح المسؤولية والتضامن.
الجفاف يحرم المغاربة من أضاحي العيد... بين إيجابيات الدعوة الملكيّة وتعويض المتضرّرين
الجفاف يقلص عدد رؤوس الماشية في المغرب
Smaller Bigger

في خطوة غير مسبوقة منذ عقود، دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس المغاربة إلى الامتناع عن ذبح أضاحي العيد هذا العام، بسبب التراجع الحاد في أعداد المواشي الناجم عن موجة جفاف قاسية تضرب المملكة للعام السابع على التوالي، وتُعد الأسوأ في تاريخها.

وجاءت دعوة الملك في رسالة رسمية وجهها إلى مواطنيه، ونقلها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، أكد فيها أن الدولة حريصة على تمكين المغاربة من أداء شعائرهم الدينية في أفضل الظروف، غير أن الوضع المناخي والاقتصادي الراهن يفرض على الجميع التحلي بروح المسؤولية والتضامن.

وقال الملك في رسالته: "إن حرصنا على تمكينكم من الوفاء بهذه الشعيرة الدينية في أحسن الظروف، يواكبه واجب استحضارنا ما تواجهه بلادنا من تحديات مناخية واقتصادية، أدت إلى تراجع كبير في أعداد الماشية". وأضاف: "أخذاً في الاعتبار أن عيد الأضحى سُنّة مؤكدة مشروطة بالاستطاعة، فإن إقامتها في هذه الظروف الصعبة قد تلحق ضرراً كبيراً بشرائح واسعة من شعبنا، وخاصة ذوي الدخل المحدود".

وفي خطوة رمزية تعكس تضامن الملك مع شعبه، أعلن أنه سيقوم بذبح الأضحية نيابة عن الأمة، داعياً المواطنين إلى التزام بهذه التوجيهات مراعاةً للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.

اعتبارات واقعية
وتشهد المملكة المغربية أسوأ حقبة جفاف منذ ثمانينيات القرن الماضي، إذ تراجعت أعداد المواشي بنسبة 38%، وسُجّل عجز في المتساقطات المطرية بلغ 53% مقارنة بمتوسط الثلاثين عاماً الأخيرة، وفق ما صرح به وزير الفلاحة أحمد البواري في منتصف شباط / فبراير. وأدى هذا النقص إلى تقلص المساحات الزراعية المرويّة بنسبة 45%، وانخفاض إنتاج الحبوب إلى أقل من 30 مليون قنطار، مقارنة بمعدّل سنوي يتجاوز 70 مليون قنطار في السنوات العادية.

وانعكس هذا الوضع على أسعار الأعلاف التي سجّلت ارتفاعاً قياسياً بنسبة 60%، ما زاد من أعباء مربّي الماشية ودفع العديد منهم إلى التخلص من قطعانهم، سواء بالبيع أو بالذبح المبكر. كما شهدت أسعار اللحوم الحمراء ارتفاعاً تجاوز 40% في بعض الأسواق، فيما سجلت أسعار الحليب ومشتقاته زيادات متتالية بسبب نقص الإنتاج المحلي.

وفي إطار جهودها لمواجهة الأزمة، وقّعت الحكومة صفقة لاستيراد 100ألف رأس من الأغنام من أستراليا، كما ألغت في موازنة 2025 رسوم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة على المواشي واللحوم، بهدف الحفاظ على استقرار الأسعار. وخصصت الدولة دعماً مالياً مباشراً لمربي الماشية بقيمة 10مليارات درهم، إضافة إلى إطلاق برنامج وطني لترشيد استهلاك المياه يُركّز على تحلية مياه البحر واستغلال المياه الجوفية بطريقة أكثر كفاءة.

ويقول رئيس مرصد العمل الحكومي والخبير الاقتصادي  محمد جدري، في حديث لـ"النهار"، إن قرار إلغاء شعيرة الأضحية لهذا العام يعد "خطوة متبصرة تستند إلى اعتبارات واقعية، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية".

ويوضح "أن القطيع الحيواني سجل تراجعاً حاداً نتيجة الجفاف الذي ضرب البلاد لعدة سنوات متتالية، ما أثر بشكل كبير على سلاسل الإنتاج ولم يمنحها الفرصة الكافية للتجدد".

ويؤكد جدري أن الوضع الراهن "لا يسمح بعودة القطاع إلى مستوياته الطبيعية، إذ يحتاج إلى فترة أطول لتعويض النقص المسجل، لا سيما في ظل ارتفاع تكاليف العلف والنقص في المراعي، ما جعل أسعار المواشي تقفز بشكل قياسي". ويضيف أن "قرار الإلغاء يتيح فرصة للقطيع الوطني لاستعادة توازنه، ما سينعكس إيجابياً على المدى المتوسط والطويل، سواء على مستوى الأسعار أو على استقرار القطاع الفلاحي بشكل عام".

وبالإضافة إلى التحديات المرتبطة بالعرض، شدد الخبير الاقتصادي المغربي على أنّ "الوضعية الاقتصادية للأسر تشكّل عاملاً أساسياً في هذا القرار، إذ تعاني الطبقة المتوسطة والضعيفة من ضغوط مالية متزايدة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، خاصة مع تضخم أسعار المواد الغذائية الأساسية".

وأشار إلى أن "أسعار اللحوم الحمراء شهدت زيادات غير مسبوقة، فتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد 120 درهماً، مع توقعات بوصول لحوم الأبقار إلى 200 درهم أو أكثر بعد العيد، ما يجعل من اقتناء الأضحية عبئاً مالياً ثقيلاً على الكثير من الأسر".

وأضاف جدري أن "التكاليف لا تتوقف عند شراء الأضحية فقط، بل تمتد لتشمل مصاريف أخرى مرتبطة بالعيد، مثل الذبح، والتجهيزات، وأعلاف المواشي، والمصاريف الإضافية للمعايدات والاحتفالات، ما يجعل القرار الملكي يندرج في إطار رفع الحرج عن المواطنين وتخفيف الأعباء عن الفئات الهشة والمتوسطة".

ورغم أن القرار يحمل إيجابيات على مستوى تخفيف الضغط الاقتصادي والمعيشي، إلا أن جدري نبه إلى "تداعيات محتملة على المهنيين العاملين في قطاع بيع المواشي، والجزارة، والنقل، والخدمات المرتبطة بعيد الأضحى، إذ يعتمد جزء كبير منهم على هذه المناسبة لتحقيق مداخيل مهمة تعوض ركود الأشهر السابقة".

وأكد الخبير الاقتصادي المغربي أنّ "هذا المعطى يفرض على الحكومة تبني إجراءات لدعم الفئات المتضررة وضمان استقرار القطاع، سواء من خلال تقديم تعويضات مالية مباشرة، أو عبر برامج دعم تستهدف الفلاحين والمهنيين لضمان استدامة نشاطهم الاقتصادي، لا سيما في ظل التغيرات المناخية التي زادت من هشاشة القطاع الفلاحي".

 

تأييد شعبي ومهني لقرار الملك
وأثار قرار الملك محمد السادس ردود فعل متباينة في وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن غالبية المغاربة أبدوا تأييدهم لهذه الخطوة، معتبرين أنها ضرورة فرضتها الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. واعتبر كثيرون أن القرار يجسّد مقاربة عقلانية تراعي مصلحة المواطنين، خصوصاً الفئات الهشّة وذوي الدخل المحدود، الذين كانوا سيجدون صعوبة بالغة في تأمين كلفة الأضحية وسط ارتفاع الأسعار.

وكتب أحد رواد مواقع التواصل على منصة "إكس": ."قرار حكيم يتماشى مع الظروف التي نعيشها اليوم، فلا معنى لإنهاك الأسر اقتصادياً في ظلّ غلاء المعيشة، والأولوية هي تأمين حاجيات الناس الأساسية".

وقال آخر: "قرارات الملك الراحل الحسن الثاني بمنع ذبح الأضاحي كان لها أثر إيجابي، إذ أسهمت في الحفاظ على الثروة الحيوانية وتمكين البلاد من تحقيق اكتفاء ذاتي، بدل استيراد المواشي بالعملة الصعبة، ونجحت خطته على مدى ثلاثين عاماً".

 

ليس القرار الأول من نوعه 

ورغم أنها الأولى في عهد الملك محمد السادس، ليست هذه الدعوة سابقة في تاريخ المغرب، فقد سبق لوالده الملك الراحل الحسن الثاني أن أصدر قرارات مماثلة ثلاث مرات خلال فترة حكمه، بسبب ظروف استثنائية مشابهة.

ففي عام 1963، ألغى الملك الأضاحي بسبب "حرب الرمال" بين المغرب والجزائر، التي اندلعت في تشرين الأول/ أكتوبر وأثّرت سلباً على الاقتصاد الوطني، ما حال دون توفير الظروف المناسبة للاحتفال بعيد الأضحى. 

وفي عام 1981، وجد المغرب نفسه أمام أزمة جفاف خانقة أدّت إلى نفوق أعداد كبيرة من الماشية وتراجع الإنتاج الزراعي إلى مستويات قياسية، ما سبب أزمة غذائية حادة، دفعت الملك الحسن الثاني إلى اتخاذ القرار ذاته.

أما المرة الثالثة، فكانت عام 1996، عندما بلغ الجفاف ذروته بعد سنوات متتالية من ندرة الأمطار، ما دفع الحكومة آنذاك إلى إعلان 1995سنة "كارثة وطنية"، نتيجة التبعات الاقتصادية والاجتماعية القاسية التي خلفتها الأزمة.

ومع اقتراب عيد الأضحى، الذي يحلّ هذا العام في الأسبوع الأول من حزيران/ يونيو، يبقى السؤال مطروحاً بشأن مدى التزام المواطنين بهذه الدعوة، لا سيما أنها ليست قراراً إلزامياً، بل توجيه ملكي نابع من حرص على المصلحة العامة، كما يبرز تساؤل آخر بشأن الإجراءات الإضافية التي قد تتخذها الحكومة لدعم الفئات الأكثر تضرراً من القرار، مثل تقديم مساعدات اجتماعية لتعويض الأسر الفقيرة، أو تخصيص دعم إضافي لمربّي الماشية لمواجهة تداعيات الجفاف.

   

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
سياسة 10/5/2025 3:09:00 PM
تابعت: "إن الدستور اللبناني يكفل المساواة بين اللبنانيين، مقيمين كانوا أم مغتربين. وتحقيق هذه المساواة يقتضي تعديل القانون الحالي بإلغاء المادة 112، بما يسمح لكل مغترب بالاقتراع في بلدته الأم".
مجتمع 10/4/2025 12:02:00 PM
من المتوقع أن تتأثر المنطقة اعتباراً من بعد ظهر الثلاثاء بمنخفض جوي متوسط الفعالية مركزه شمال غرب تركيا.
مجتمع 10/4/2025 3:23:00 PM
العملية تأتي في إطار الحملة الأمنية التي ينفذها الجيش في المنطقة لضبط المطلوبين ومواجهة التفلّت الأمني منذ ساعات الصباح الأولى.