"زينة رمضان"... بهجة ولعب وترابط اجتماعي يتوارى من شوارع مصر

شمال إفريقيا 28-02-2025 | 07:33

"زينة رمضان"... بهجة ولعب وترابط اجتماعي يتوارى من شوارع مصر

تصنيع زينة رمضان، في الماضي، كان نشاطاً مرتبطاً بالأطفال بشكل أساسي، وكان بمثابة نمط للعب والمرح. كنا نقص الورق، ونصنع أشكالاً، ونعلقها في الخيوط
"زينة رمضان"... بهجة ولعب وترابط اجتماعي يتوارى من شوارع مصر
اتجه غالبية المستهلكين للزينة الجاهزة
Smaller Bigger

يبدو الشرود لوهلة على وجه "محمد"، وهو يقود سيارة التاكسي خاصته في شوارع القاهرة المزدحمة، وسرعان ما ترتسم على وجه الرجل الخمسيني، ابتسامة هادئة تمتزج بالحنين إلى الماضي، وهو يحكي لـ"النهار" عن جانب مبهج من ذكريات طفولته في أحد الأحياء الشعبية بقلب القاهرة.

ككثير من الأطفال في تلك المناطق التي تحمل عبقاً مصرياً خاصاً، كان "محمد" يطوف مع أقرانه ويطرقون أبواب الجيران، ويطلبون منهم مساهمة زهيدة لتزيين شارعهم، ابتهاجاً باقتراب حلول شهر الصيام عند المسلمين.

 

تعاون ومشاركة

ويروي الرجل: "في نهاية جولتنا، كنا نجمع قدراً لا بأس به من المال، ثم نذهب فرحين معاً إلى أقرب مكتبة، ونشتري  أوراقاً ملونة، وخيوطاً قوية، وبعض الأسلاك والمصابيح الكهربائية، ونبدأ سهرتنا في صنع الزينة".

يتولى بعضهم مهمة قص الأوراق الملونة بأشكال مبهجة: نجوم، وعرائس، وشرائط كثيفة، وغير ذلك... فيما يذهب أحدهم إلى منزله مسرعاً، ويطلب من أمه أن تحضر له المادة اللاصقة التي تثبّت الأوراق الملونة على الخيوط المتينة. تلك المادة السحرية، هي عبارة عن قليل من النشاء المخلوطة بالماء، وتوضع على النار حتى تتخذ قواماً متماسكاً، فتتحول إلى بديل رائع للصمغ، بكمية وفيرة وثمن  رخيص للغاية.

يقول محمد: "كنا نمضي ساعات طويلة في صنع حبال الزينة التي يبلغ طولها عشرات الأمتار، وأحياناً نصنع فانوساً أو أكثر بأعواد من الخشب والأوراق الملونة الشفافة، ونضع بداخله مصباحاً، ونعلقه بحبال قوية مع الزينة الممتدة بين المنازل من أول الشارع لآخره".

تلك الأجواء الاحتفالية والعمل الجماعي الذي يملؤه المرح والبهجة، كان يزيده تحفيزاً التنافس بين شوارع الحي: من منها سيعلق أجمل زينة رمضانية في المنطقة كلها؟ هذه الأجواء الرائعة تلاشت تماماً تقريباً.

 لعب ومرح
ترى الكاتبة والصحافية المهتمة بالشؤون الاجتماعية رباب سعفان أن السبب الأول في تلاشي هذه الأجواء، هو تغير اهتمامات الأطفال، وتقول: "تصنيع زينة رمضان، في الماضي، كان نشاطاً مرتبطاً بالأطفال بشكل أساسي، وكان بمثابة نمط للعب والمرح. كنا نقص الورق، ونصنع أشكالاً، ونعلقها في الخيوط".

وتقول سعفان لـ"النهار": "اهتمامات الأطفال تغيرت. الهاتف الجوال والكومبيوتر هما الأدوات المفضلة للعب لديهم، في عصرنا الحالي. هذا صرفهم عن ممارسة العديد من الأنشطة، ومنها صناعة زينة رمضان".

الاهتمام بالبيوت
المشاركة في التكاليف ولو بقروش قليلة، والتعاون من أجل صنعها وتعليقها عبر البلكونات وشبابيك المنازل، كان يصنع أجواء حميمة بين الجيران، ويوثق علاقاتهم ببعضهم، لكن يبدو أن الزمن قد غير هذا أيضاً إلى الأبد.

باتت الزينة الرمضانية الجاهزة تباع في متاجر متخصصة، في مناطق من أشهرها "العتبة" و"الموسكي" بوسط العاصمة المصرية. الأسعار زهيدة نسبياً مقارنة بتكاليف شراء الخامات والوقت الذي لم يعد متوفراً كما كان في الماضي.

ويقول مدير متجر "مول القدس" في منطقة العتبة أحمد الهلالي لـ"النهار": "الناس لم يعد لديهم الوقت الكافي: الأطفال مشغولون بدراستهم، والكبار في أعمالهم. نحن نوفر عليهم الوقت والجهد، ونصنع الزينة بأنفسنا بجودة عالية وتشكيلات وخيارات عدة، وبتكلفة أقل".

رغم توفر الزينة الجاهزة لم تعد الأولوية لتزيين الشوارع كما كان الحال في الماضي، ويعلق الهلالي: "أغلب المشترين يهتمون بشراء زينة المنازل، أنهم يشترون المفارش و"فروع" اللمبات المضيئة، كي يجعلون بيوتهم مبهجة".

أثر التكنولوجيا
ثمة اتفاق على أن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي غيرا في شكل حياتنا على الأرض، وساهما في انتشار الأفكار، كما عززا المحاكاة والسير على الموضة.

"دكتور دومي" واحد من أنشط المسوقين لزينة رمضان عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، يقول لـ"النهار": "إننا في عصر السرعة، والتكنولوجيا، والمؤثرين (البلوجرز)، يلعبون دوراً مهماً في التحول الذي شهدناه، في الانتقال من الزينة المصنوعة يدوياً، إلى الجاهزة".

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

النهار تتحقق 11/15/2025 9:19:00 AM
"تقول السلطات إن الأمر كله مرتبط برجل واحد متهم...". ماذا عرفنا عن هذا الموضوع؟  
مجتمع 11/13/2025 4:43:00 PM
أكّد المدير العام للطيران المدني المهندس أمين جابر أنّ التحويل في مسار الرحلات جاء نتيجة الأحوال الجوية القاسية في الشمال.