هنا، على طول الطريق المؤدّي من ساحة البريد المركزي إلى النفق الجامعي، وصولاً إلى شارع الدكتور سعدان في العاصمة الجزائرية، ثار الحراك الشعبي الذي أطاح نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قبل ست سنوات.

منير، في الـ30 من العمر، يؤكد أنه كان من بين أوائل الذين خرجوا في ذلك التاريخ للتعبير عن رفضهم استمرار بوتفليقة في الحكم. "أين منير الآن بعد ستة أعوام من الحراك؟"، أجاب: "قبل الحراك الشعبي كان كلّ شيء ضبابياً، كنت متخرّجاً حديثاً في الجامعة ومن دون أفق واضح، اليوم نشهد اهتماماً كبيراً بالشباب دفعهم نحو الابتكار وإنشاء مؤسساتهم الخاصة بطرق حديثة". وأضاف: "استطعت في ظرف قصير إنشاء مؤسستي الخاصة بأقلّ تكاليف. هي مؤسّسة ناشئة في مجال الميكانيك وعن طريق منصّة رقمية".

السير في شارع الدكتور سعدان يذكّر بتلك الحشود الشعبية التي كانت تحاول الوصول إلى قصر الحكومة، رافعة أصواتها  ومطالبة برحيل نظام بوتفليقة ورموزه.
على رصيف الشارع التقت "النهار" الأستاذة الجامعية سامية التي استذكرت تلك الأيام قائلة: "كان يوماً هادئاً صباحاً، مليئاً بالعنفوان وحبّ البلد مساءً". وتضيف: "بعد ستة أعوام تغيّر الوضع العام في الجزائر. صحيح أننا عشنا صعوبات بعض الشيء لكن الأمور تحسّنت شيئاً فشيئاً. عموماً تحسّ بجهود تُبذل عكس ما كانت عليه الحال سابقاً". 

حراك شباط 2019 كان قمّة التحركات الاحتجاجية خلال العقود الأخيرة وأول حركة سياسية جماعية للجزائريين بطابع سلمي وبمطالب واضحة، بدأت برفض العهدة الخامسة ووصلت إلى حدّ المطالبة بتغيير النظام السياسي وتحرير الإعلام والقضاء، تقول الإعلامية المتابعة للشأن السياسي نسرين جعفر لـ"النهار".

وتضيف: "لم تتحقق كلّ تلك المطالب مع الأسف، وفي مقدّمها الحرّيات السياسية والإعلامية والعدالة الاجتماعية، غير أن أبرز ما حققه الحراك هو أن الشعب أظهر قدرته على التعبير بصوت مرتفع وفي الوقت الضروري، لوقف الانهيار".

وترى جعفر أن "الحراك دفع إلى القضاء على عصابة سياسية ومالية كانت متمركزة داخل النظام، ويعتبر اعتقال عدد كبير من الوزراء ورجال والأعمال ومحاكمتهم بتهم نهب المال العام، بمثابة استجابة لمطالب الحراك".

وعن واقع البلاد ما بعد 2019 تقول: "لقد أفرز الحراك الشعبي الجزائري واقعاً جديداً أبرز ما فيه استعادة القانون  قيمته ولو نسبياً"، مشيرة إلى عدم وجود أيّ مسؤول اليوم بعيدٍ عن المُساءلة، "كما أن مظاهر تغوُّل رجال الأعمال وتدخلهم في السياسة لم تعد بارزة للعلن"، وتتابع أن "الدولة استعادت هيبتها وبدأت باستعادة مكانتها الإقليمية والدولية".

ودعت جعفر إلى فتح المجال أكثر للمشاركة الحقيقية والفعلية داخل مؤسسات الدولة، مع تحسين وضع الحريات السياسية والإعلامية في البلاد.

"اقتصادياً يمكن الإشارة إلى عدد من النقاط المحققة خلال سنوات ما بعد الحراك الشعبي"، يقول المحلل الاقتصادي مراد عباشة لـ"النهار"، ويضيف أن اقتصاد البلاد أضحى محور انشغالات الحكومة بكثير من الإرادة والاجتهاد الفعلي.

ويتابع أن أهمّ مُنجز اقتصادي خلال الأعوام الستة الماضية هو تحقيق الاكتفاء الذاتي وبنسب عالية في إنتاج القمح، مع الإشارة إلى الإجراءات الحكومية التي أسهمت في حركة اقتصادية رفيعة على شاكلة تشجيع الشباب على إنشاء المؤسسات الناشئة، وفتح بنوك في الخارج لمرافقة المستثمرين، وخاصة في أفريقيا وتحسين مناخ الأعمال، بالإضافة إلى أخلقة الاستثمار بعيداً عن نهب الأموال من خلال إنشاء الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، يؤكد عباشة.

ويشير إلى أن الحركية الاقتصادية التي عرفتها البلاد بعد الحراك الشعبي وبُعَيد انتهاء أزمة "كوفيد19"، لم تعرفها خلال عقدين من الزمن، لافتاً إلى أن "الحكومة ارتكزت على ضرورة وضع مقدرات البلاد في موضعها الحقيقي وتوقيف نزف الاحتياطي المالي، فكان أن تحوّل الحديث إلى تصدير فعلي وارتفاع تدريجي لأرقام مهمّة في مجال التصدير خارج النفط".  

ويختم عباشة: "بعيداً من الجوانب السياسية لما بعد الحراك، فإن أكثر تحديات الجزائر خلال الأعوام السابقة كانت اقتصادية محضة وستبقى كذلك خلال الأعوام المقبلة".