التعذيب في سجون ليبيا... الدوافع متنوعة والإفلات من العقاب واحد
لم يعد تفشي التعذيب في سجون ليبيا ملفاً شائكاً يجري التكتم عليه، ويقتصر الحديث عنه على تقارير المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، فقد بات قضية شعبية مع ظهور فيديوات عدة خلال الشهور الأخيرة تكشف عن عمليات تعذيب وحشية تعرض لها سجناء بعضهم ليبيون والبعض الآخر مهاجرون غير شرعيين، ولقيت تفاعلاً واسعاً في وسائل التواصل الاجتماعي، ما يمثل تطوراً قد يساهم في إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب.
وجرت آخر الجرائم التي كُشف عنها قبل أيام قليلة داخل مديرية أمن مدينة مصراتة (غرب ليبيا)، ما استدعى تدخلاً من الادعاء العام الذي أمر بتوقيف مدير أمن المدينة ورئيس قسم النجدة، بالإضافة إلى سجن عنصرين في قسم النجدة بتهمة تعذيب وافد باكستاني، مع عرض المجني عليه على الطبيب الشرعي، لكشف مضاعفات العنف الذي مورس ضده.
و"تتصاعد وتيرة عمليات التعذيب والإخفاء القسري خلال الفترة الأخيرة، وتتوزع أماكن ارتكاب الجريمة بين مراكز احتجاز تحمل الطابع الرسمي، وأخرى خارج سيطرة الدولة"، وفق قول رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان الدكتور عبد المنعم الحر، الذي لفت في حديث إلى "النهار" إلى "تنوع في دوافع التعذيب من انتزاع اعترافات من متهمين في بعض المدن التي تنتشر فيها جماعات التهريب وعصابات الجريمة، إلى دوافع سياسية ضد الخصوم السياسيين والمعارضين".
و"لا توجد إحصاءات في ليبيا بشأن معدلات ارتكاب التعذيب نتيجة لانقسام الأجهزة الأمنية في ليبيا بين الشرق والغرب، وفي الغالب تُكشف الجرائم عبر تسريب فيديوات أو إعلان الضحايا وعائلاتهم"، وفق الحقوقي طارق لملوم، الذي يتفق مع الحر على "تصاعد معدلات ارتكاب الجريمة بوتيرة متصاعدة، وهو نمط متواصل عبر الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011"، مؤكداً لـ "النهار" أن "مسرح الجريمة كبير في ليبيا، فهناك العديد من السجون التي تتبع الأجهزة الرسمية معروفه بسمعتها السيئة في التعذيب، بالإضافة إلى السجون التي تُسيطر عليها المجموعات المسلحة ويُرتكب داخلها انتهاكات جسيمة ضد المحتجزين".
ولفت لملوم هو الآخر إلى أنه في "أحيان كثيرة يكون الدافع خلفيات سياسية، أو للضغط بغرض الابتزاز المالي، خصوصاً إذا كان المحتجز ينتمي إلى شريحة اجتماعية تمتلك الأموال".
ويؤمن الحر، وهو أكاديمي ليبي متخصص في القانون الدولي بأن بلاده "تمتلك أحد أفضل القوانين المعنية بمعالجة قضية التعذيب، والذي صدر في العام 2013، ولا يكتفي بملاحقة مرتكبي جريمة التعذيب بل يصل إلى ملاحقة المسؤولين عنهم، سواء أكان مدنياً أم عسكرياً، كما يلاحق كل من لدية علم بارتكاب الجريمة ولم يبلغ عنها"، مشيراً إلى أن "العقوبات لا تقل عن السجن لمدة خمس سنوات، وتصل إلى السجن المؤبد إذا تسبب التعذيب في وفاة المجني عليه"، لكنه أكد أن "الإشكالية هي في تطبيق تلك المواد من قبل الأجهزة الرسمية ... الإفلات من العقاب عزز من تصاعد تلك الجرائم وانتشارها، لاسيما داخل المقار التابعة لوزارة الداخلية". وقلل الحر من دور المنظمات الحقوقية الدولية في الحد من جرائم التعذيب إذ "يقتصر على تقصي الحقائق وتوثيق الانتهاكات وإحالتها إلى الجهات المعنية المحلية والدولية، أما في حال ارتُكبت جريمة التعذيب بشكل منهجي موسع، فهنا ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية ويمكن أن تتحرك المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق فيها طالما غاب التحقيق المحلي"، داعياً الأمم المتحدة إلى "تعيين مقرر خاص معني بملف حقوق الإنسان في ليبيا يحل مكان وحدة حقوق الإنسان التابعة للبعثة الأممية والتي يعاني عملها من القصور".
أما الحقوقي لملوم فيستبعد بشدة إمكان لجم التصاعد في التعذيب في ظل الواقع الأمني والسياسي الليبي، "وربما يتوقف عند توحيد السلطة التنفيذية، لكن اعتقد أن الدور الأكبر يقع على المجتمع الدولي الذي يجب أن يُشدد من إجراءات المراقبة والمحاسبة ودعم المحكمة الجنائية الدولية في القضايا المطروحة أمامها، والضغط على السلطات الليبية حتى تسمح لفريق المحكمة وفريق خبراء مجلس الأمن وكذلك للمجتمع الحقوقي المحلي بزيارة كل السجون الليبية وتقييم أوضاعها".
نبض